بقلم: د. سامي عباس / باحث في الشؤون الدستورية وحقوق الإنسان
مقدمة:
في نهاية شهر حزيران (يونيو) من كل عام، يحتفل العالم ب"اليوم العالمي لللاجئ"، هذا اللاجئ الذي هو "إنسان" يبحث عن ملاذ آمن له، وهو الذي أكثر شئ جدلا(1)، وقد إكتنف مفهوم اللاجئ الكثير من الغموض، وإختلط مع مفاهيم أخرى كالهجرة والنزوح، وغيرها من المفاهيم القانونية والإجتماعية والسياسية التي تتطورت بتطور المجتمع.
لقد بدأت الخليقة حينما خلق الله سبحانه وتعالى آدم وكرّمه، وخلق منه حواء، وأسكنهما الجنة، وعند عدم إلتزامهما بما أمرهما الباري عزّ وجل، فقد أهبطهما إلى الأرض، وأنزل كتبه السماوية، وبعث لهما الأنبياء والرسل ليدلهما وذريتهما على طريق الإيمان.
كوّنا آدم وحواء أسرة، ومن ثم تم التكاثر، ووصلوا إلى شعوبا وقبائل، وراحت هذه الشعوب والقبائل تأكل مما تزرع، ولكن حينما يحصل الجفاف أو القحط،أو تتعرض إلى خطر، فإن الإنسان كان يترك أرضه ليهاجر إلى الأرض الأكثر خصوبة التي تؤمن له العيش والأمن، لذلك نجد أن الأرض شهدت هجرة أقوام وليس أفرادا فحسب من موطنها الأصلي إلى مناطق أكثر أمناً وخيراً، لكن هذا اللاجئ "الإنسان" لم يجد ما يصبو إليه وما كان يخطط له إلا النزر القليل من الحماية، رغم تدخل المنظمات الدولية إبتداءاً من "عصبة الأمم المتحدة"، وإنتهاءاً بالمفوضية السامية لشئون اللاجئين، وغيرها من المنظمات الإقليمية التي إنبرت لتنظيم حياة وحماية اللاجئ.
إذا هناك مشكلة إنسانية عالمية تتعلق باللاجئ، ولغرض تسليط الضوء على مفهوم اللاجئ وتداخله مع بقية المفاهيم، وكيف بدأ اللجوء؟، وما هي أسبابه؟، وما هي أنواعه؟، وكيف تعامل العرب قبل الإسلام مع اللاجئ، ومن ثم في عصر الإسلام؟، وإنتهاءاً بالعصر الحديث وتدخل الأمم المتحدة لتنظيم حالة اللاجئ، وغيرها من الأسئلة التي لازالت تحتاج إلى أجوبة، وهذا ما سنحاول الإجابة عليه بشكل مركز.
--------------
1.{ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلا}، سورة الكهف/الآية 54.
مفاهيم متادخلة :
قبل ولوجنا إلى مفهوم اللاجئ والمهاجر والنازح، نتعرف على مفهوم الإنسان الذي هو محور موضوعنا.
مفهوم الإنسان :
1. الإنسان هو هذا الكائن العظيم، الفريد، الذي أنطوى فيه سر الكون، وتعلقت به المشيئة الإلهية بالاستخلاف في الأرض، وتوقفت عليه الحياة فيها وارتبطت به الحضارة(1). هذا الإنسان هو الذي إختاره الله تعالى من سائر خلقه، وميّزه على غيره، وخلقه لحكمةِ، ووجهه لهدف، وكلفه بأعمار الأرض، وشرّفه بالنفخ فيه من روحه، وأوجده في الجنة، ثم أورثه الأرض، وحمّله الأمانة والمسؤولية، وتولاه بالرعاية والتوجيه، وكرّمه في الكتب السماوية، وأرسل له الرسل والأنبياء(2). وقال إبن عباس، رضي الله عنه : إنما سُمّي إنسانا لأنه عُهد إليه فنسى، ويُقال للمرأة) إنسان (ولا يُقال إنسانة(3)، وقد عرّفه المشرّع اليمني بأنه : يعتبر المولود إنساناً له حقوق الإنسان إذا خرج حياً من بطن أمه، سواء كانت الدورة الدموية متصلة في بدنه كله أم في بعضه، وسواء قطع حبل سرّته أم لم يقطع، وتثبُت حياته بالاستهلال بالصياح أو العطاس أو التنفس أو الحركة التي تتحقق معها الحياة(4).
-------------
1. د.محمد الزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دار الكلم الطيب، ط2، 2003م.
2. د.محمد الزحيلي، مصر سابق.
3. محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، مصدر سابق.
4. المادة (230) من قانون الجرائم والعقوبات لعام 1994م، الجريدة الرسمية، العدد (19ج3) لسنة 1994م.نقلا عن كتابنا، د. سامي عباس مرهون، الحقوق الأساسية للمواطن في دستور الجمهورية اليمينة، مطبعة التفوق، صنعاء 2010م.
لقد تضمنت الديانات كافة ما يشير إلى قدسية الإنسان، حيث يقول المولى عز وجل في الآية/70 من سورة الإسراء : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}، لذلك فإن الإنسان وجب على أخيه الإنسان، سواء أكان حاكماً أم محكوماً الإحترام وحماية كرامته وعدم المساس بحقوقه.
مفهوم المهاجر :
المهاجر لغوياً، الهًجْرُ ضد الوصل، والإسم الهجرة والمُهاجرة من أرض إلى أرض، ترك الأولى للثانية (1)، والهجرة في اللغة تعني القطع والترك، قال الخليل في كتاب «العين»: الهجر والهجران ترك ما يلزمك تعهده، ومنه اشتُقَّت هجرة المهاجرين، لأنّهم هجروا عشائرهم(2).
إذاً إطلاق لفظ «المهاجر» على الذي ينتقل من مكان إلى آخر، لأنّ هذا الشخص في الواقع يقطع روابطه وعلاقاته مع المكان الذي انتقل منه، ثمّ إنّ المهاجرة يمكن أن تكون لطلب المكاسب الدنيوية ونيل المكاسب المادية وزيادة المال والثروة أو ما شابه ذلك من الأُمور المادية، فإذا ما حصل الإنسان على مراده من هجرته وانتقاله فلا ريب أنّه يكون قد حصل على الكمال المادّي الذي توخّاه من هجرته(3).
أما إصطلاحاً، فيعني أن الإنسان يترك موطنه لأسباب عديدة ومختلفة، لينتقل إلى موطن آخريعتقد أنه سيلبّي ما كان فاقده في موطنه، وهناك هجرة شرعية، بمعنى أن هذا الإنسان يترك بلده بشكل قانوني ويدخل إلى بلد آخر بشكل رسمي، وفي هذا البلد المضيف يقيم إقامة قانونية، ولكن هناك من يغادر بلده بشكل غير شرعي، أي أنه يهرب على وفق أحد أساليب التهريب، وكذا الحال يدخل بلد آخر بشكل غير قانوني، وتسمى هذه ب "الهجرة غير الشرعية" التي سببت مشاكل لدول العالم، وخاصة الغربية منها، حيث تُعاني سلطات تلك الدول من هذا النوع من الهجرة.
----------------
1.محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، دار الغد الجديد، طبعة جديدة ومشكولة،القاهرة ط1، 2009م.
2..كتاب العين:3/387، مادة هجر.
3. tohid.ir/ar.php/page,575AAr2825.html?PHPSESSI
مفهوم النازح :
لغويا : نزح البئر، إستقى ماءها كُلّهُ، ونزحتِ الدار بَعُدت(1).
أما إصطلاحاً، فتعني أن الإنسان يبتعد عن بيته إلى منطقة أخرى لأسباب عديدة، قد تكون نتيجة أخطار وقعت أوخشية وقوعها، أونتيجة كوارث طبيعية، و"النازحون هم أشخاص لم يغادروا بلدانهم" (2).
مفهوم اللاجئ :
لغوياً: (لجأ) إليه يلجأ، و(التلجئة) الإكراه، و(ألجأهُ) إلى كذا اضطرّهُ إليه، و(ألجأ) أمره إلى الله أسندهُ (3).
أما إصطلاحاً، فقد ورد مفهوم "اللاجئ" بشكل عام لأي فرد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون أول/ديسمبر عام 1948م، حيث نصت المادة 14 منه على:
1. لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد.
2. لا ينتفع بهذا الحق من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئه(4).
أما تعريف اللاجئ فقد ورد في نص الإتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين التي اعتمدها يوم 28 تموز/يوليو 1951 مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، الذي دعته الجمعية العامة للأمم المتحدة إلي الانعقاد بمقتضى قرارها 429 (د-5) المؤرخ في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1950 - وتاريخ بدء النفاذ: 22 نيسان (أبريل) 1954، وفقا لأحكام المادة 43، حيث نصت المادة 1: تعريف لفظة "لاجئ"
ألف- لأغراض هذه الاتفاقية، تنطبق لفظة لاجئ على:
1. كل شخص اعتبر لاجئا بمقتضى ترتيبات 12 أيار (مايو) 1926 و30 حزيران (يونيه) 1928، أو بمقتضى اتفاقيتي 28 تشرين الأول (أكتوبر) 1933، وشباط (فبراير) 1938 وبروتوكول 14 أيلول (سبتمبر) 1939، أو بمقتضى دستور المنظمة الدولية للاجئين.
ولا يحول ما اتخذته المنظمة الدولية للاجئين أثناء ولايتها من مقررات بعدم الأهلية لصفة اللاجئ دون منح هذه الصفة لمن تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذا الفرع.
-----------------
مختار الصحاح، مصدر سابق.
القانون الدولي الإنساني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الثانية مايو/ايار 2004م.
مختار الصحاح، مصدر سابق.
حقوق الإنسان،مجموعة صكوك دولية، الأمم المتحدة، جنيف 1993م.
2. كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني (يناير) 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلي ذلك البلد.
باء- 1. لأغراض هذه الاتفاقية، يجب أن تفهم عبارة "أحداث وقعت قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، الواردة في الفرع "ألف" من المادة 1، علي أنها تعني: (أ) إما "أحداثا وقعت في أوروبا قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، أو (ب) "أحداثا وقعت في أوروبا أو غيرها قبل 1 كانون الثاني/يناير 1951"، وعلى كل دولة متعاقدة أن تعلن، وهي توقع هذه الاتفاقية أو تصدقها أو تنضم إليها، بأي من هذين المعنيين ستأخذ علي صعيد الالتزامات التي تلقيها عليها هذه الاتفاقية.(1).
تعد هذه الاتفاقية رغم صفتها الدولية، اتفاقية خاصة بشعوب محددة، هي شعوب أوروبا المتضررة من ويلات الحرب العالمية الثانية، لهذا كان التعريف وفقاً لمفاهيم أوروبية، ومن أجل إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الأوربيين الذين تركوا ديارهم نتيجة الحرب،
وبقراءة هذا التعريف نجد أنه ينص على تحديد زمني لتاريخ اللجوء، مما يعني أن اللاجئ بعد كانون الثاني/يناير 1951 لا تشمله الاتفاقية، لذلك لم تشمل كل المهجرين واللاجئين، وخاصة حالات اللجوء في العالم الثالث وبعض دول أوروبا الشرقية.
وقد شعر خبراء القانون في الأمم المتحدة بعجز هذه الاتفاقية عن تحقيق مرادها بسبب التحديد الزمني، لهذا تم تجاوز هذا الشرط في البروتوكول الخاص باللاجئين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1967م، ليصبح لفظ "اللاجئ" ينطبق على كل من تتوفر فيه الشروط الأخرى دون تحديد للفترة الزمنية، ولكن التعريف لم تجر عليه أية تعديلات.
كما أن هذه الاتفاقية تعاملت مع الأفراد وليس الجماعات، حيث نصت على الاضطهاد الواقع على الشخص بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لفئة معينة أو آرائه السياسية، وهذا يدلل على مدى انطباقها على حالات اللجوء السياسي للأفراد الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل حكوماتهم، أكثر من شمولها لحالات اللجوء الجماعية(2).
------------
حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، مصدر سابق.
2. ناهض زقوت، اللاجئ في القانون الدولي،
www.malak-rouhi.com/vb/t13504-new-post.html بعد الأعداد المتزايدة للاجئين الأفارقة هرباً من الحروب والنزاعات الداخلية في إفريقيا منذ أواخر الخمسينيات في القرن الماضي، فقد ناقشت منظمة الوحدة الأفريقية أوضاع هؤلاء اللاجئين وتنظيم الجوانب الخاصة بمشاكلهم في القارة الأفريقية، لذلك وسّعت المنظمة في المعاهدة الصادرة في 10 أيلول/سبتمبر عام 1969، تعريفاً تسترشد به، استندت فيه إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، ولكنها أضافت إليه ما يتفق مع ظروفها السياسية.
لذا نص تعريف اللاجئ على: "أي شخص بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما في جزء أو كل من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته(1).
على المستوى الأوربي عبّرت المواثيق الأوروبية الصادرة عن الإتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين، عن توصيف أدق وأكثر شمولية لمفهوم اللاجئ من إتفاقية 1951، والمعاهدة الأفريقية عام 1969، حيث كان توصيفها ينص على وسائل تعامل اللاجئين،ونص القرار رقم 14 لسنة 1967 بمنح حق الملجأ للأشخاص المعرضين لخطر الإضطهاد، وجاءت توصية الإتحاد الأوروبي عام 1981 للتنسيق بين الإجراءات الوطنية الخاصة بمنح حق اللجوء، وكذلك توصية عام 1984 بشأن حماية الأشخاص المستوفين لإشتراطات معاهدة جنيف ممن لم يعدّوا لاجئين قبل عام 1984، وألزمت معاهدة دبلن لعام 1990 التي تضع معايير لتحديد أية دولة عضو، تعد مسؤولة عن النظر في طلب حق الملجأ عندما يطلب اللاجئ حق اللجوء إلى دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي(2).
------------
1. حمد الرشيدي، الحماية الدولية للاجئين ـ أعمال ندوة نظمها مركز البحوث والدراسات السياسية بالقاهرة في نوفمبر 1996، ونشرها المركز عام1997، ذكره ناهض زقوت.
2. حمد الرشيدي، مصدر سابق.
من خلال ما تقدم يظهر جلياً إن كل مفهوم من المفاهيم آنفاً، يختلف أحدها عن الآخر في التكييف القانوني، ويخضع من يكتسب أية صفة من الصفات التي بينّاها قواعد دستورية وقانونية تختلف الواحدة عن الأخرى، فالمهاجر هو ليس النازح في بلده، أما اللاجئ فهو من ينطبق عليه التعريف الذي ورد في نص الإتفاقية الخاصة بشؤون اللاجئين، وبقية الأعلانات والمعاهدات الإقليمية، ولكن غالباً ما يحصل إستخدام هذه المفاهيم كمرادفات، وهذا خطأ قد يكون شائع لغير المتخصصين، لذا ينبغي توخي الدقة في وصف كل إنسان يحمل أية صفة من الصفات التي أوردناها.
تطور مفهوم اللاجئ:
لم يأت تعريف "اللاجئ" حسب ما ورد في نص الإتفاقية الخاصة باللاجئين، إلا بعد أن شهد هذا المفهوم كغيره من المفاهيم القانونية والإجتماعية والسياسية تطوراً، حيث أن اللجوء هو ظاهرة إنسانية أبدية نشأت مع بدء حياة الإنسان في هذا العالم، وصاحبته على مر الزمان، فإته لاينتظر لها الزوال ما دام في الدنيا ظلم القوي وإنتهاك حقوق الإنسان الأساسية.
بداية اعتصم الإنسان بالجبال والمغارات وغيرها، سواء ضد أخطار الطبيعة، أو ضد هجمات الضواري، كما عرف الفِرار إلى خارج الجماعة بإعتباره وسيلة للنجاة من بطش الأقوى منه.
وعندما نشأت في داخل الجماعة الواحدة أماكن معينة أعتبرها الناس – بسبب الدين أو الخرافة – ذات حُرمة خاصة بحيث لايجوز إنتهاكها، سرعان ما وجد الإنسان فيها ملاذاً يأوي إليه ليحميه ضد إنتقام خصومه وغلوهم، وبهذا نشأ ما يعرف ب "حق الملجأ"، أي المكان المحمي، وهكذا فقد إتفق جميع من أرخوا لنظام اللجوء واللاجئ على أن هذا النظام نشأ في الأصل نشاة دينية، بحيث يمكن القول بأن جميع الشعوب القديمة تقريباً قد عرفت "الملجأ الديني" في إحدى مراحل تأريخها، وذلك عندما أعترفت للمعابد وما في حكمها بإمتياز حماية من يلوذون بها، فقد عرف هذا النظام عند حضارة بلاد ما بين النهرين، والفراعنة واليهود والأغريق والرومان، كما عرفه العرب قبل الإسلام، ثم أعترفت به الشريعة الإسلامية الغراء، ونظمته بما يتفق مع مبادئهأ السمحة(1).
-------------------
1. الدكتور برهان أمر الله، حق اللجوء السياسي،بتصرف، دار النهضة العربية، بيروت 1983م.
عندما قامت – على أنقاض الإقطاع وسلطات الكنيسة- الدول الأوربية الحديثة بإعتبارها وحدات إقليمية تتمتع بالسيادة المطلقة، ولا تخضع لسلطة أعلى منها، تحول المقصود بحق اللاجئ من مجرد واجب أخلاقي على عاتق الحاكم، ليصبح حقاً من حقوق الدولة المتفرعة عن سيادتها المطلقة على إقليمها، ومن ثم أضحى الملجأ أهلية الدولة أو سلطتها في قبول ما تشاء من الأفراد داخل إقليمها ورفض تسليمهم إلى دولة أخرى (1)، وهذا ما يعرف ب
"الجوء الإقليمي"، أي أن الإنسان يترك بلده ويلجأ إلى بلد آخر، فضلا عن أن منح حق اللجوء عمل سيادي، بمعنى أن للدولة الحق في ان تمنح حق اللجوء على أراضيها لأشخاص فارّين من بلاد أخرى، وإنطلاقاً من هذا الأساس، أي تعلق قبول اللجوء بسيادة الدول فإن لهذه وحدها الحق في منع اللجوء أو رفضه،والطلب من اللاجىء بمغادرة إقليمها في حالة رفض منحه حق اللجوء إلى دولة أخرى طلبا" في الحصول على الملجأ(2).
وقد أخذ الملجأ الإقليمي غالبا طابع التدفق الجماعي للاجئين، بمعنى أن ظاهرة الإلتجاء إتخذت في غالبية الحالاات صورة خروج اللاجئين في جماعات كبيرة العدد تقدر ليس بالآلاف وإنما بالملايين، الأمر الذي خلق عددا من المشاكل لدولة الملجأ كما يشكل عبئا لاتستطيع في الغالب تحمله وحدها، كذلك أصبحت مشكلة اللاجئين سواء أكان بسببب عد إحترام حقوق الإنسان أم الحروب أم العدوان الخارجي أم الإحتلال الأجنبي مشكلة دولية، بمعنى أنها تمس مصالح المجتمع الدولي كله، ومن ثم تستدعي تدخل أعضاؤه من أجل مواجهتها.
لكن هذا النوع من اللجوء قدحصل عليه تطور من حيث حماية اللاجئ أو إبعاده، فبعد أن كان اللاجئ الذي يلجأ إلى بلد آخر هو بسبب إرتكابه جريمة عادية، فإن الأمر إختلف في نقطة البداية الحاسمة في معاهدة تسليم المجرمين التي أبرمت بين فرنسا وسويسرا عام 1831م، وقانون تسليم مرتكبي الجرائم السياسية، وقد إنتقل هذا المبدأ بعد ذلك إلى غالبية معاهدات تسليم المجرمين التي أبرمت بين الدول فيما بعد، فضلاً عن القوانين الداخلية ودساتير معظم دول العالم(3).
------------------
1. moo.e J.A.B.A Digest of International Law.Vol 2.Washington 1906.p.757،
ذكره الدكتور برهان امر الله، مصدر سابق.
2. سحر الياسري – محامية،اللجوء الانساني والسياسي في ضوء القانون الدولي، imcp-media.com/indexal5.php?pag=more&more=327.
3. الدكتور برهان أمر الله/مصدر سابق.
أما اللجوء الدبلوماسي، فهو أمر متوافر في الحياة الدولية، إذ فرّ آلاف اللاجئين إلى البعثات الدبلوماسية، ولم تتضمن إتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961م أي حكم بإباحة أو تحريم الملجأ الدبلوماسي، بل إكتفت المادة «41» بالإشارة إلى إحترام قوانين البلد المضيف، وكانت لجنة القانون الدولي قد أوصت في تقريرها إلى الجمعية العامةعام 1956م بعدم الترخيص للبعثات بأن تأوي كمبدأ عام، أشخاصاً مطاردين لإرتكابهم جرائم سياسية، وأن يحظر تماماً على هذه البعثات إيواء المجرمين العاديين، ولا شك أن اللجنة قد استهدفت صيانة البعثات الدبلوماسية مما قد يصيبها من مشاكل إباحة اللجوء فيها حرصاً على الوضع الحساس للبعثات ووظائفها(1).
مما تقدم يتبين لنا أن مفهوم اللاجئ والملجأ، قد تطور بتطور الحياة السياسية والإجتماعية للدول والمجتمعات البشرية، وجدير ذكره أن اللجوء الإقليمي، بمعنى أن الإنسان سواء أكان فردا أم جماعات يترك بلده ويطلب حماية بلد آخر، هو المتبع الآن أما بقية الأنواع من اللجوء فقد تم مغادرتها.
اللاجئ عند العرب :
الأعراف والتقاليد عند القبائل العربية كانت ومازالت تحمي الإنسان الذي يلجأ إليها، وهذا اللاجئ في كثير من الأحيان يكون سبب لجوئه إلى أنه إرتكب جريمة قتل بدافع الثأر، ويُعرف أيضاً ب"الدخيل"، ويزخر تأريخ القبائل العربية في أنحاء الوطن العربي كافة على قصص تكاد تكون خيالية حول اللاجئ، حيث تذكر أن بعضهم لجئوا إلى عشيرة من عشائر القبيلة التي ينتمي إليها المجني عليه، ومع ذلك فإن هذه العشيرة تحمي الذي لجأ إليها، وتُعرف حدود سيادة العشيرة، أو بعض بيوت الشَعر التي تقيم فيها، وذلك من خلال ما يسمى ب "مراح الإبل"، أي أن سيادة حدود القبيلة أو العشيرة أو حتى جزء من هذه العشيرة، يقاس بتنقل إبلهم، فيكون هذا هو الحد الذي لا يسمح بتجاوزه في حالة مطاردة القاتل، ويخيّر اللاجئ إما البقاء عندهم أو ترك القبيلة، وإذا إختار اللاجئ ترك القبيلة ففي هذه الحالة تكون مدة الحماية لمسيرة ثلاث أيام، كما أن هناك مفهوم آخر عند القبائل العربية يُعرف ب "القصير"، وهو الشخص الذي يطلب من شيخ قبيلة أن يقطن بحمايته وذلك لأسباب قد تختلف عن الأسباب التي أدت إلى لجوء الإنسان إلى القبيلة(2).
------------
1.. حسين أبو عفان،
www.akhirlahza.sd/portal/index.php?option2. لقاء مع الشيخ فراس عيادة كنعان الصديد، تموز/يوليو 2010.
اللاجئ في الإسلام :
في الدولة الإسلامية التي أسسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وإنتشرت إلى أقصاع الأرض كلها، لم تكن هناك مشكلة للمسلمين أكانوا عرب أم غير ذلك في تنقلهم وإقاماتهم في الولايات الإسلامية.
لكن الإنسان غير المسلم، وخاصة المشركين الذين يبحثون عن ملاذ آمن والإلتجاء إلى دولة الإسلام، فقد نزل بهم نص قرآني صريح وهو {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ}(1)، فإن سمع الإسلام وأسلم، فبها، وهو فضل من الله تعالى، وإن طلب البقاء في دار الإسلام، فيُعقد معه "عهد الذمة"، ويصبح من رعايا الدولة الإسلامية، وإن أراد أن يبقى فترة مؤقتة، فيُعطعى "حق الأمان"، ويُسمى "مستأمناً" كما جاء في الآية الكريمة، وأكّده رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإقراره الأمان الذي أعطته أم هانئ لأحد المشركين، وقال عليه الصلاة والسلام : {قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ}، وفي رواية أخرى :
{ وأمنا من أمنتِ }(2).
--------------
1. سورة التوبة، الآية/6.
2. أ. د. محمد لزحيلي، حقوق الإنسان في الإسلام، دار الكلم الطيب، دمشق- بريوت، الطبعة الثالثة، 2003م.
أسباب اللجوء :
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي بالإنسان أن يترك بلده ملتمساً من بلد آخر الحماية له، ومن بين هذه الأسباب هي الآتي :
1. الإضطهاد :
لغوياً : ضَهَدَه يَضْهَدُه ضَهْداً واضْطَهَدَه ظَلَمه وقَهرَه وأَضْهَدَ به، جارَ عليه ورجلٌ مَضْهُودٌ ومُضْطَهَد مَقْهُور ذليل مضطر(1)، وهو المعيار الذي إرتكزت عليه غالبية المعاهدات والإتفاقات والإعلانات الدولية والإقليمية، حول من ينطبق عليه وصف اللاجئ، ولكن هذا المفهوم غير محدد،حيث أن مفهوم الإضطهاد هو نسبي، والأهم من ذلك أن المادة التي ترتكز عليها وصف اللاجئ تنص أيضاً على أن الإنسان إما أن يكون قد وقع عليه إضطهاد أو يخشى وقوعه، وهذه نقطة مهمة تبيح للإنسان أن يدعي إدعاءات عديدة، وكذلك الصعوبة بمكان هو كيفية إثبات الإضطهاد أو الخشية منه، وبشكل عام تمنح هذه الدول حق اللجؤ للأفراد الذين ينطبق عليهم تعريف اللاجئ حسب نص المادة 1 فقرة أ فقرة فرعية (2)، ومع ذلك هناك مجال للاجتهاد في التفسير، وعلى سبيل المثال، ماذا يعني أو يشمل الاضطهاد؟، وما هي الأدلة التي تبين أن الخوف له ما يبرره؟، وكيف يمكن تحديد الأسباب للاضطهاد (العرق، الدين، الجنسية، الإنتماء لمجموعة إجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي)(2).
2. الحروب :
تؤدي الحروب بين الدول إلى أن يترك عدد من البشر بلدانهم طالبين الملاذ الآمن في بلدان أخرى.
3. العدوان الخارجي :
تتعرض بعض الدول إلى إعتداءات خارجية، سواء على الدولة كلها أو جزء منها، مما يؤدي هذاالعمل العدواني إلى أن يترك المواطن بلده ويبحث عن مأوى يؤمن له الأمن.
-----------------
1. لسان العرب : مادة ضهد، ج 3/ص 266.
2.
www.hrea.or 4. الإحتلال :
إحتلال دولة مستقلة من قبل دولة خارجية، عمل لا تقرّه الشرائع السماوية ولا الشرعات الدولية، وهذا ما حصل للعراق عام 2003م، حيث تم إحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى إلى كارثة إنسانية، أنتجت ما يقارب الستة ملايين بين مهاجر ولاجئ(1).
5. النزاعات المسلحة :
تحدث أحيانا نزاعات مسلحة داخل البلد الواحد، مما يؤثر على الإستقرار والأمن، وبالتالي يؤدي إلى أن يفكر عدد من مواطني ذلك البلد إلى مغادرته واللجوء إلى بلد آخر يعتقدون أنه يوفر لهم الأمن.
6. الحرب الأهلية :
هذا النوع من الحروب كارثي على مواطني الدولة، حيث تنتج عنه ضحايا مروعة، وهذا ما حصل في بعض الدول الأفريقية، وكذلك ما جرى في العراق بين عامي 2005 و2006م، حيث سقط مئات الضحايا من العراقيين رجالا ونساء، مما أظطر آلاف العراقيين أن يغادروا العراق إلى دول العالم كافة.
7. إنهيار نظام الحكم :
يحصل أحيانا أن نظام دولة معينة ينهار بسبب إنقلاب، أو ثورة، مما يؤدي إلى أن عدد من شرائح المجتمع تتأثر سلبا بهذا التغيير، والأهم هو غياب السلطة والقانون، وهذاما يؤثر وبشكل عنيف على عدد من هذه الشرائح، فتظطر إلى مغادرة البلد خوفا من اللانظام والفوضى التي تصاحب هذا الإنهيار، رغم أن القائمين على الثورة أو الإنقلاب يدعّون أنهم جاؤوا لصالح لشعب، لكن ذلك لا يمنع من تأثر عدد من المواطنين بإجراءات "الثورة"، وعلى سبيل المثال لا الحصر فلا يمكن لأحد أن ينكر ما للثورة الفرنسية عام 1789م، من تأثير إيجابي على شعوب العالم بأسره، لكن أنتجت هذه الثورة ما يقارب ألمائتي ألف مواطن خارج البلاد (2)، والعدد هذا كبير نسبياً عند حدوث الثورة المذكورة.
------------
1. ذكر لي هذا العدد أحد موظفي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في إحدى الدول العربية، 2009م.
2. الدكتور برهان أمر الله، مصدر سابق.
8. الكوارث الطبيعية :
تعتبر الكوارث الطبيعية، كالفيضانات والزلازل، وغيرها من الأسباب التي تدفع مواطنو البلد الذي تحصل فيه هذا الكوارث إلى ترك البلد والبحث عن بلد آخر يقيمون فيه.
9. الوضع الإقتصادي :
إن الوضع الإقتصادي لأي بلد دليل على عافيته أو شقائه، فإن كان الوضع يؤمن للمواطن حياة برفاهية معقولة فإن ذلك لا يؤدي بمواطني ذلك البلد إلى البحث عن منفذ آخر في بلد آخر يؤمن له الحد الأدنى من سد رمقه، والعكس هو الصحيح، وخاصة حينما زاد البون الشاسع بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة في العالم، فظهرت موجات بشرية وليس أفراد فحسب يهربون من بلدانهم الفقيرة إلى دول يعتقدون أنها تؤمن لهم الحياة بأدنى حالاتها على الأقل.
أنواع اللجوء:
1. اللجوء الفردي:
في البداية كان هذا هو السائد في طريقة اللجوء، بمعنى أن الإنسان يترك موطنه ويتجه إلى موطن آخر بحثا عن الحماية بسبب فعل إرتكبه في موطنه الأصلي، وغالبا ما كان السبب الرئيس لهذا النوع من اللجوء هو أن هذا الإنسان قد أرتكب جريمة عادية كالقتل مثلا.
2. اللجوء العائلي:
ظهر هذا النوع من اللجوء بسبب أن اللاجئ غالبا ما يكون من أصحاب الكفاءات العلمية التي لا تستطيع الإنفصال عن العائلة، أو أن اللاجئ يخشى من إجراءات تعسفية قد تطال أفراد عائلته في بلده.
3. اللجوء الجماعي:
هذا النوع من اللجوء ظهر بسبب الحروب، أو العدوان الخارجي، أو إحتلال الدول، حيث تقوم مجاميع بشرية بترك بلدانها واللجوء إلى دول أخرى، غالباً ما تكون مجاورة للبلد الأم، أو قريبة منه،وخير مثال على ذلك ما قامت به مجاميع صومالية بالإلتجاء إلى اليمن ذو الموارد البسيطة، وزادت من أعبائه المالية، حيث وصل عدد الصوماليين -حسب إحصائية الحكومة اليمنية - الذين إلتجئوا الى اليمن بحدود 800,000 لاجئ (1).
4. اللجوء السياسي:
اللاجئ السياسي، هو الذي كان أكثر شيوعاً من غيره من أنواع اللجوء، وذلك لكون بعض السياسيين من دول العالم وخاصة من العالم النامي يتقاطعون مع سياسة أنظمتهم، مما يدفعهم إلى التفكير في اللجوء إلى بلدان أخرى كانت في غالبيتها دول أجنبية مثل فرنسا وبريطانيا،وكذلك دول عربية أبرزها كانت مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التي إستقبلت الكثير من اللاجئين السياسيين العرب.
5. اللجوء الإنساني :
ظهر هذا النوع من اللجوء في مدة متأخرة من نهاية القرن العشرين، وذلك لكي لا يكون اللاجئ في وضع قد يؤثر على أفراد عائلته التي تبقى في بلده من ملاحقة السلطة، كما أن بعض اللاجئين هم فعلا ليس لهم اهتمامات سياسية، لذلك فقد تم توصيف هذا اللاجئ على أنه "لاجئ إنساني".
6. اللجوء الجنسي :
بداية القرن الواحد والعشرين، ونتيجة إزدياد الغزو الغربي للبلاد الإسلامية والعربية، فقد برزت في بعض المجتمعات العربية والإسلامية ظاهرة المخنّثين "المثليين"، وهذه الظاهرة محرّمة في الدين الإسلامي الحنيف، وأنبرت إليها بعض الحكومات العربية والإسلامية، بل وصل الأمر إلى أن هؤلاء يتم قتلهم بطرق شتى، كما حصل في العراق بعد الإحتلال عام 2003م، لذلك فإن هذه الشريحة الشاذة في نظر الثقافة العربية والإسلامية، أُعتبرت في نظر الثقافة الغربية حالة تستحق أن يُحمى من يمارسها، لذا نرى أن هؤلاء قد تم تسهيل لجوئهم إلى البلدان الغربية.
-----------------
1. وكالة سبأ، 21 حزيران يونيو 2010م.
7. اللجوء البيئي :
قد يكون هذا النوع من اللجوء جديداً في التداول، لكنه سيكون في المستقبل حاله حال بقية أنواع اللجوء، وقد أظهرت الدراسة التي أعدها معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة "إن التصحر وارتفاع مستويات المياه في البحار والفيضانات والعواصف المرتبطة بتغير المناخ ربما تؤدي إلى لجوء الملايين من البشر"، وقال "جانوس بوجاردي" رئيس المعهد الذي يتخذ من بون مقرا له لرويترز "إننا ندق أجراس إنذار علمية وسياسية...نحن بحاجة إلى التحرك"، وقدّر إن نحو 20 مليونا اضطروا بالفعل للنزوح بسبب مشكلات مرتبطة بتدمير البيئة تراوحت بين تآكل الأرض الزراعية إلى تلوث إمدادات المياه، ودعا المعهد إلى الاعتراف بأن "اللاجئين البيئيين" الذين لجئوا بسبب تدهور البيئة سيحتاجون الحصول على الغذاء والأدوات والمأوى والرعاية الطبية والمنح، تماما مثل اللاجئين السياسيين الذين يفرّون من الحرب أو الإضطهاد في بلدانهم(1).
8. اللجوء الديني:
بيّنا أن هذا النوع من اللجوء قد عُرف عند الإنسان حينما كان يلجأ إلى أماكن العبادة، لكنه إختفى في تاريخنا المعاصر.
--------------------
1. 50 مليون لاجئ بيئي 2010، موقع النبأ للمعلومات.
حقوق وواجبات اللاجئ :
تضمنت الإتفاقية الخاصة باللاجئين وعديمي الجنسية لعام 1951 م، الحقوق التي يتمتع بها اللاجئي، وكذا الحال الإلتزامات المفروضة عليه (1)، وبدءا فإن الإنسان حينما يقدم إلتماساً إلى المفوضي العامة لشؤون اللاجئين، أو إلى أية دولة غير دولته، فإنه حينما يٌقبل ك " لاجئي "، فله الحقوق الآتية :
حقوق اللاجئ :
1. تصدر الدول المتعاقدة بطاقة هوية شخصية لكل لاجئ موجود في إقليمها لا يملك وثيقة سفر صالحة (المادة 27).
2. تصدر الدول المتعاقدة للاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها وثائق سفر لتمكينهم من السفر إلي خارج هذا الإقليم، ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني أو النظام العام(المادة 28).
3. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين داخل أراضيها معاملة توفر لهم على الأقل ذات الرعاية الممنوحة لمواطنيها على صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم) المادة 4: الدين).
4. يتمتع جميع اللاجئين، بعد مرور ثلاث سنوات على إقامتهم، بالإعفاء، على أرض الدول المتعاقدة، من شرط المعاملة التشريعية بالمثل(المادة 7- الفقرة 2).
5. تخضع أحوال اللاجئ الشخصية لقانون بلد موطنه، أو لقانون بلد إقامته إذا لم يكن له موطن. (المادة 12- الفقرة 1).
6. تحترم الدولة المتعاقدة حقوق اللاجئ المكتسبة والناجمة عن أحواله الشخصية، ولا سيما الحقوق المرتبطة بالزواج، على أن يخضع ذلك عند الإقتضاء لإستكمال الشكليات المنصوص عليها في قوانين تلك الدولة، ولكن شريطة أن يكون الحق المعني واحد من الحقوق التي كان سيعترف بها تشريع الدولة المذكورة لو لم يصبح صاحبه لاجئا المادة 12- الفقرة 2).
--------------
1. مجموعة صكوك دولية، مصدر سابق.
7. تمنح الدول المتعاقدة كل لاجئ أفضل معاملة ممكنة، لا تكون في أي حال أدني رعاية من تلك الممنوحة، في نفس الظروف، للأجانب عامة، في ما يتعلق بإحتياز الأموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق الأخرى المرتبطة بها، وبالإيجار وغيره من العقود المتصلة بملكية الأموال المنقولة وغير المنقولة)لمادة 13).
8. في مجال حماية الملكية الصناعية، كالإختراعات والتصاميم أو النماذج والعلامات المسجلة والأسماء التجارية، وفي مجال حماية الحقوق على الأعمال الأدبية والفنية والعلمية، يمنح اللاجئ في بلد إقامته المعتادة نفس الحماية الممنوحة لمواطني ذلك البلد، ويمنح في إقليم أي من الدول المتعاقدة الأخرى نفس الحماية الممنوحة في ذلك الإقليم لمواطني بلد إقامته المعتادة(المادة 14).
9. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها، بصدد الجمعيات غير السياسية وغير المستهدفة للربح والنقابات المهنية، أفضل معاملة ممكنة تمنح، في نفس الظروف لمواطني بلد أجنبي(المادة 15).
10. يكون لكل لاجئ، على أراضي جميع الدول المتعاقدة، حق التقاضي الحر أمام المحاكم (المادة 16 - الفقرة 1).
11. يتمتع كل لاجئ، في الدولة المتعاقدة محل إقامته المعتادة، بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن من حيث حق التقاضي أمام المحاكم، بما في ذلك المساعدة القضائية، والإعفاء من ضمان أداء المحكوم به) المادة 16 – الفقرة 2).
12 تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة تمنح، في نفس الظروف، لمواطني بلد أجنبي في ما يتعلق بحق ممارسة عمل مأجور) المادة 17- الفقرة 1).
13. وفي أي حال، لا تطبق على اللاجئ التدابير التقييدية المفروضة على الأجانب أو على إستخدام الأجانب من أجل حماية سوق العمل الوطنية، إذا كان قد أعفي منها قبل تأريخ بدء نفاذ هذه الاتفاقية إزاء الدولة المتعاقدة المعنية، أو إذا كان مستوفيا أحد الشروط التالية:
(أ) أن يكون قد استكمل ثلاث سنوات من الإقامة في بالبلد،
(ب) أن يكون له زوج يحمل جنسية بلد إقامته. على أن اللاجئ لا يستطيع أن يتذرع بانطباق هذا الحكم عليه إذا كان قد هجر زوجه،
(ج) أن يكون له ولد أو أكثر يحمل جنسية بلد إقامته (المادة 17 – الفقرات أ، ب، ج).
14. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها أفضل معاملة ممكنة، وعلى ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف، في ما يتعلق بممارستهم عملا لحسابهم الخاص في الزراعة والصناعة والحرف اليدوية والتجارة، وكذلك في إنشاء شركات تجارية وصناعية(المادة 18).
15. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها، إذا كانوا يحملون شهادات معترفا بها من قبل السلطات المختصة في الدولة، ويرغبون في ممارسة مهنة حرة، أفضل معاملة ممكنة، على ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف) المادة 19- الفقرة 1).
16.تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في ما يخص التعليم الأولي) المادة 22- الفقرة 1).
17. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين أفضل معاملة ممكنة، على ألا تكون في أي حال أقل رعاية من تلك الممنوحة للأجانب عامة في نفس الظروف، في ما يخص فروع التعليم غير الأولي، وخاصة على صعيد متابعة الدراسة، والإعتراف بالمصدقات والشهادات المدرسية والدرجات العلمية الممنوحة في الخارج، والإعفاء من الرسوم والتكاليف، وتقديم المنح الدراسية(المادة 17 – الفقرة 2).
18. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها في مجال الإغاثة والمساعدة العامة) المادة 23).
19. تمنح الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها نفس المعاملة الممنوحة للمواطنين فيما يخص الأمور التالية:
(أ) في حدود كون هذه الشؤون خاضعة للقوانين والأنظمة أو لإشراف السلطات الإدارية: الأجر بما فيه الإعانات العائلية إذا كانت تشكل جزءا من الأجر، وساعات العمل، والترتيبات الخاصة بساعات العمل الإضافية، والإجازات المدفوعة الأجر، والقيود على العمل في المنزل، والحد الأدنى لسن العمل، والتلمذة والتدريب المهني، وعمل النساء والأحداث، والإستفادة من المزايا التي توفرها عقود العمل الجماعية،
(ب) الضمان الإجتماعي (الأحكام القانونية الخاصة بإصابات العمل والأمراض المهنية والأمومة والمرض والعجز والشيخوخة والوفاة والبطالة والأعباء العائلية، وأية طوارئ أخرى تنص القوانين والأنظمة على جعلها مشمولة بنظام الضمان الإجتماعي)، رهنا بالقيود التي قد تفرضها:
"1" ترتيبات ملائمة تهدف للحفاظ على الحقوق المكتسبة، أو التي هي قيد الاكتساب،
"2" قوانين أو أنظمة خاصة ببلد الإقامة قد تفرض أحكاما خاصة بشأن الإعانة الحكومية الكلية أو الجزئية المدفوعة بكاملها من الأموال العامة، وبشأن الإعانات المدفوعة للأشخاص الذين لا يستوفون شروط المساهمة المفروضة لمنح راتب تقاعدي عادي.
2. إن حق التعويض عن وفاة لاجئ بنتيجة إصابة عمل أو مرض مهني لا يتأثر بوقوع مكان إقامة المستحق خارج إقليم الدولة المتعاقدة.
3. تجعل الدول المتعاقدة المزايا الناجمة عن الإتفاقات التي عقدتها أو التي يمكن أن تعقدها، والخاصة بالحفاظ على الحقوق المكتسبة، أو التي هي قيد الإكتساب على صعيد الضمان الإجتماعي، شاملة للاجئين، دون أن يرتهن ذلك إلا باستيفاء اللاجئ للشروط المطلوبة من مواطني الدول الموقعة على الإتفاقات المعنية). المادة 24).
20. عندما يكون من شأن ممارسة اللاجئ حقا له أن تتطلب عادة مساعدة سلطات بلد أجنبي يتعذر عليه الرجوع إليها، تعمل الدول المتعاقدة التي يقيم اللاجئ على أراضيها على تأمين هذه المساعدة إما بواسطة سلطاتها أو بواسطة سلطة دولية). المادة 25- الفقرة 1).
21. تصدر السلطة أو السلطات المذكورة في الفقرة الأولى للاجئين، أو تستصدر لهم بإشرافها، الوثائق أو الشهادات التي يجري إصدارها للأجنبي، عادة، من قبل سلطاته الوطنية أو بواسطتها(المادة 25 – الفقرة 2).
22. تقوم الوثائق أو الشهادات الصادرة على هذا النحو مقام الصكوك الرسمية التي تسلم للأجانب من قبل سلطاتهم الوطنية أو بواسطتها، وتظل معتمدة إلى أن يثبت عدم صحتها (المادة 25 – الفقرة 3).
23. رهنا بالحالات التي يمكن أن يستثني فيها المعوزون، يجوز استيفاء رسوم لقاء الخدمات المذكورة في هذه المادة، ولكن ينبغي أن تكون هذه الرسوم معتدلة ومتكافئة مع ما يفرض على المواطنين من رسوم لقاء الخدمات المماثلة (المادة 25 – الفقرة 4).
24. تمنح كل من الدول المتعاقدة اللاجئين المقيمين بصورة نظامية في إقليمها حق إختيار محل إقامتهم والتنقل الحر ضمن أراضيها، على أن يكون ذلك رهنا بأية أنظمة تنطبق على الأجانب عامة في نفس الظروف) المادة 26).
25. تمتنع الدول المتعاقدة عن تحميل اللاجئين أية أعباء أو رسوم أو ضرائب، أيا كانت تسميتها، تغاير أو تفوق تلك المستوفاة أو التي قد يصار إلي إستيفائها في أحوال مماثلة(المادة 29- الفقرة 1).
26. ليس في أحكام الفقرة السابقة ما يحول دون أن تطبق على اللاجئين القوانين والأنظمة المتعلقة بالرسوم المتصلة بإصدار الوثائق الإدارية، بما فيها بطاقات الهوية(المادة 29 – الفقرة 2).
27. تسمح الدول المتعاقدة للاجئين، وفقا لقوانينها وأنظمتها، بنقل ما حملوه إلى أرضها من موجودات إلى بلد آخر سمح لهم بالانتقال إليه بقصد الاستقرار فيه) المادة30 – الفقرة 1).
28. تنظر الدول المتعاقدة بعين العطف إلى الطلبات التي يقدمها اللاجؤون للسماح لهم بنقل أي موجودات أخرى لهم، أينما وجدت، يحتاجون إليها للاستقرار في بلد آخر سمح لهم بالانتقال إليه(المادة 30 – الفقرة 2).
29. تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللاجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريتهم مهددة بالمعنى المقصود في المادة 1، شريطة أن يقدموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني(المادة 31- الفقرة 1).
30. تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض غير الضروري من القيود على تنقلات هؤلاء اللاجئين، ولا تطبق هذه القيود إلا ريثما يسوي وضعهم في بلد الملاذ أو ريثما يقبلون في بلد آخر، وعلى الدول المتعاقدة أن تمنح اللاجئين المذكورين مهلة معقولة، وكذلك كل التسهيلات الضرورية ليحصلوا على قبول بلد آخر بدخولهم إليه(المادة 31- الفقرة 2).
31. لا تطرد الدولة المتعاقدة لاجئا موجودا في إقليمها بصورة نظامية، إلا لأسباب تتعلق بالأمن الوطني أو النظام العام (المادة 32 – الفقرة 1).
32. لا ينفذ طرد مثل هذا اللاجئ إلا تطبيقا لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون، ويجب أن يسمح للاجئ ما لم تتطلب خلاف ذلك أسباب قاهرة تتصل بالأمن الوطني، بأن يقدم بينات لإثبات براءته، وبأن يمارس حق الإستئناف، ويكون له وكيل يمثله لهذا الغرض أمام سلطة مختصة أو أمام شخص أو أكثر معينين خصيصا من قبل السلطة المختصة(المادة 32 – الفقرة 2).
33. تمنح الدولة المتعاقدة مثل هذا اللاجئ مهلة معقولة ليلتمس خلالها قبوله بصورة قانونية في بلد آخر، وتحتفظ الدولة المتعاقدة بحقها في أن تطبق، خلال هذه المهلة، ما تراه ضروريا من التدابير الداخلية(المادة 32- الفقرة 3).
34. لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو تردّه بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو إنتمائه إلى فئة إجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية(المادة 33- الفقرة 1).
35. على أنه لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحق لأي لاجئ تتوفر دواع معقولة لإعتباره خطرا على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لإعتباره يمثل، نظرا لسبق صدور حكم نهائي عليه لإرتكابه جرما إستثنائي الخطورة، خطرا على مجتمع ذلك البلد(المادة 33- الفقرة 2).
36. تسهل الدول المتعاقدة بقدر الإمكان إستيعاب اللاجئين ومنحهم جنسيتها، وتبذل على الخصوص كل ما في وسعها لتعجيل إجراءات التجنس وتخفيض أعباء ورسوم هذه الإجراءات إلي أدني حد ممكن) المادة 34).
إلتزامات اللاجئ :
على كل لاجئ إزاء البلد الذي يوجد فيه واجبات تفرض عليه، خصوصا، أن ينصاع لقوانينه وأنظمته، وأن يتقيد بالتدابير المتخذة فيه للمحافظة عل النظام العام.(المادة 2 من الإتفاقية).
ذكرنا أهم الحقوق التي يجب أن يمتع بها اللاجئ التي نصت عليها الإتفاقية الخاصة باللاجئين وعديمي الجنسية لعام 1951م، وهي حقوق يكتسبها اللاجئ، شريطة أن يكون في الدولة التي وقعت على الإتفاقية المذكورة، ولكن مع ذلك نجد أن العديد من الدول لاتلتزم بتطبيق إلتزامتها إزاء اللاجئين، متذرعة بنصوص تم ذكرها في الإتفاقية تخص " الأمن الوطني، النظام العام " وغيرها من المفاهيم التي لايوجد تعريف محدد لها،وخاصة فيما يتعلق بطرد اللاجئ، وجدير ذكره أن العلاقات السياسية بين الدول لها دور في طرد اللاجئ، فمتى ماكانت العلاقة بين دولة اللاجئ والدولة التي لجأ إليها جيدة، فإنه مُعرّض للطرد، والعكس هو في صالح اللاجئ.
بالمقابل، هناك عدد من اللاجئين الذين لايلتزمون بقوانين البلد الذي لجئوا إليه مما يعرّضهم إلى المسائلة القانونية، ومنها الطرد.
خاتمة وتوصيات :
اللجوء والهجرة والنزوح، ظواهر إنسانية كانت ومازالت مستمرة للأسباب التي ذكرناها، وجدير ذكره أن أكبر كتلتين بشريتين تمثلان هذه الظاهرة هما، الفلسطينيون الذين هجّروا بسبب إحتلال فلسطين عام 1948م من قبل الكيان الصهيوني، وهؤلاء لهم وضعهم الخاص، حيث أنهم غير مشمولين بالإتفاية الخاصة باللاجئين وعديمي الجنسية لعام 1951م، وذلك لوجود منظمة دولية خاصة بهم هي : وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)،لتعمل كوكالة مخصصة ومؤقتة، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات، لغاية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. ومقرها الرئيس في فيينا وعمّان، وقد تأسست في 8 ديسمبر/كانون أول 1949م، بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 (1).
أما الكتلة البشرية الثانية والتي فاقت في عددها اللكتلة الأولى فهي، العراقيون الذين تركوا وطنهم بسبب الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، وقد توجهوا إلى سورية التي وصلها ما يقارب المليون وثمانمائة ألف شخص، تليها الأردن حيث يتراوح من دخلها ما يقارب الثمانمائة ألف، تليها مصر ثم اليمن، ودول الخليج العربي، فيما وصل بضعة آلاف إلى الدول الغربية، وحري بنا القول أن سورية والأردن عملا بكل ما في وسعهما لإستيعاب هذا التدفق من البشر على الرغم من أنه أثقل كاهل مواردهما الاقتصادية وبنيتيهما التحتيتين، وبخاصة في قطاعي الصحة والتعليم، ولم يتلق البلدان المضيفان إلا القليل جداً مما هما بأمس الحاجة له من المساعدات المالية، بما في ذلك من الدول التي وعدت بتقديم المساعدة في المؤتمر الدولي في جنيف حول اللاجئين العراقيين الذي عُقد في إبريل/نيسان 2007 بدعوة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين(2).
---------------
1. ويكيبيديا.
2. انظر تقرير منظمة العفو الدولية، العراق: وضع اللاجئين العراقيين في سورية)رقم الوثيقة: 2007/036/MDE 14، يوليو/تموز2007 ؛ العراق: تفاقم أزمة اللاجئين - بيان موجز لوسائل الإعلام) MDE14/021/2007 (، إبريل/نيسان، 2007.
أما اليمن فقد إستفادت من الذين وصلوا إليها، لاسيما وأن غالبيتهم من ذوي الكفاءات العلمية، وبذلك فقد إستوعبتهم الجامعات اليمنية، مما أثر ذلك إيجايباً على المستوى العلمي.
في العام 2010،يقدر عدد اللاجئين في العالم ب 41 مليونً (1)،وبشكل عام، كل لاجىء هو عرضة لصدمة بمجرد اللجوء الى أرض ثانية غير أرض الوطن،هو بحد ذاته حدث يؤرخ به،ويعني سلسلة متتالية من الخسارات "خسارة الأرض، الوطن، الممتلكات، النمط المعيشي المعين، القيمة الإجتماعية التي كان يملكها، والروابط والعلاقات التي كانت تربطه بمجتمعه على صعد مختلفة ".
بإختصار، خسارة نقاط الإرتكاز الأساسية التي كان يعوّل عليها، ويبني شخصيته على أساسها، وحدّد بواسطتها إنتمائه وهويته وتأريخه، وبشكل أدق ذاته، بكل ما لهذه الكلمة من مدلولات، هنا تصبح كلمة لاجىء إسمـاً مميزاً على كل اللاجئين، وتأخذ مكان الأسم الأصلي، بمعنى آخر تتحول هذه الكلمة إلى دال تستتبع سلسلة من التداعيات والتصورات، قد يرفضها هذا الإنسان او يقبلها، فهو الآن عرضة لمواجهة الواقع والقبول به، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، فهو بحاجة إلى وقت طويل يتأرجح فيه بين ما كان وما أصبح عليه، وهنا يلعب التأريخ الشخصي للفرد، ومجمل الأزمات التي عاشها في ماضيه وبنيته النفسية، دورا هاما في تقبل الحدث أو رفضه، ولكن قبل كل ذلك، عليه الإعتراف بالخسارة والقيام بعملية الحداد اللازمة، لأن العجز عن القيام بهذه العملية يعني الموت الرمزي بالنسبة إليه، ولفهم أوضح لهذه العملية التي هي ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض(2).
--------------
راشد فايد، صحيفة النهار اللبنانية، 25/6/2010.
2. الدكتور هشام بزي، المعاناة النفسية لللاجىء-
www.aldhom.org/defecting/bazzi.htm. نخلص من كل ما ذكرناه إلى التوصيات الآتية :
1. ينبغي إعتماد الشفافية في ذكر الحقائق من قبل المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، فيما يخص عدد اللاجئين، أو المشاكل التي يواجهونها في الدول التي لجئوا إليها، وخاصة طرد البعض منهم.
2. الضرورة الإنسانية تقتضي إنشاء "مفوضية خاصة باللاجئين العراقيين "من قبل الأمم المتحدة لكثرة أعدادهم.
3. تخصص الولايات المتحدة الأمريكية موارد مالية مناسبة لمساعدة اللاجئين العراقيين، لأنها السبب الرئيس الذي أنتج هذا الكم الهائل من الللاجئين والمهاجرين.
4. تقوم الجامعة العربية بتأسيس " المفوضية العربية لشؤون اللاجئين "، تختص برعاية اللاجئين والمهاجرين العرب، وهذا يدخل ضمن مفاهيم الشريعة الإسلامية، وفي حالة ظهور هذه المفوضية فإنها وبكل تأكيد ستكون منظمة إقليمية تستطيع الإستفادة من الخبرات والكفاءات العلمية التي يحملها هؤلاء اللاجئين العرب، ونرى أن يكون مقرها المملكة العربية السعودية، لما لها من تأثير إيجابي روحي، بدلا من أن تستفاد منها الدول الغربية وأمريكا، والذي هو حاصل الآن.
5. القابضون على السلطة في العراق، عليهم القيام بالآتي :
أ. صرف رواتب تقاعدية لمنتسبي الجيش العراقي والكيانات المنحلة.
ب. تخصيص جزء من الميزانية، تُصرف كإعانات مستمرة للذين هاجروا الوطن مجبرين.
6. على اللاجئ ليس أن يلتزم ويحترم قوانين البلد الذي لجأ إليه فحسب، بل أن يراعي تقاليد وعادات ذلك البلد، لكي يجنّب نفسه من الإشكالات القانونية والإجتماعية.