عدد الرسائل : 342 العمر : 40 الدولة : الوطن العربي الاوسمة : 05/11/2007
موضوع: موريتانيا: عن أي استقلال؟ نحن نتحدث الإثنين نوفمبر 29, 2010 12:49 pm
بين الأخذ بالحقيقة والإقرار بها وبين التعمية عليها أو اعتماد تضليل مقصود مسافة شاسعة. بسعة الفرق بين الضوء
الناصع والظلام الدامس. وكثيرا ما شاهدنا في العصر الحديث الخلط المتعمد الذي يحول الحقيقة إلى كذب أو الكذب إلى حقيقة. وهذا ما يتطلب فهما دقيقا لعملية الخلط هذه أو بعبارة أدق عملية تحوير المفاهيم وتزييف الحقائق. هذه الثقافة من إنتاج الاستعمار بل هي من ضمن إستراتيجيته البعيدة المدى في البقاء وإكمال السيطرة عبر بدائله المتنوعة. ومن هنا تكمن خطورة الموقف حيث يقع التشويش والإرباك ويتم تقديم الناقص منجزا ومكتملا. في الحديث هذه الأيام عن مرور خمسين سنة على توقيع وثيقة الاستقلال الوطني والتي تعتبر حدثا تاريخيا هاما وخطوة جبارة على الطريق الصحيح، يبدوا الخلط واضحا والصورة مشوشة تعطي انطباعا عن حلم ذهبي هو ما نصبوا إليه جميعا ألا هو تحقيق استقلال تام لوطننا. حقا إن موريتانيا حصلت على إدارة أمورها من طرف أبنائها وتمت عملية إنشاء دولة موريتانية منحت "استقلالها" في 28 نوفمبر 1960م، وقدم الأمر على أنه استقلال بمفهوم أننا أصبحنا نتحكم في قرارنا وأن سيادتنا أصبحت بيدنا وأننا من نقرر موقع كياننا الجديد طبقا لخصوصية محيطنا الحضاري الذي يتم التفاعل معه بشكل أساسي بحكم عوامل التداخل التاريخي الأصيل. ما تم بالفعل آنذاك هو إبرام معاهدة خلق الكيان الجديد الذي تشده إلى الخلف ثقافة وافدة وهوية مفقودة وإدارة قرار سياسي يتم طبخه أو تمريره عبر الدهاليز المظلمة. وخلق شراكة سياسية واقتصادية هي في حقيقتها إحكام مقنن للسيطرة بكل جوانبها. لأن الاستعمار الراحل في الظاهر هو الباقي وراء الكواليس وعبر طوابير تم خلقها لهذه المهمة، أي مهمة تمثيل الاستعمار على أرضنا. بوجوه من أبناء جلدتنا ارتبط ثقافتهم ومصالحهم بالاستعمار. هي إذ إستراتيجية إجهاض متعمد ومدروس تعطي الشعوب التي منحت استقلالا ناقصا صورة عن "حقيقة" تتم التغطية على نصها الخفي . موريتانيا المستقلة بإرادة أبنائها هي موريتانيا التي اجتازت دائرة الإرباك والارتباك في عملية تحقيق الذات، وامتلكت قرارها الوطني بإرادة حرة، وحققت هويتها الأصيلة من خلال موقعها كقطر عربي إفريقي مسلم. وأدارت شؤونها بنفسها واعتمدت على ذاتها في عملية البناء والتشييد، وتعاملت بروح الانفتاح مع العالم الخارجي. هي موريتانيا الأصيلة النابعة من إرث شنقيط التاريخي والسائرة في فلك هويتها الحضارية. باعتماد اللغة الرسمية للبلد لغة تعليم وإدارة وعمل لا موريتانيا إقصاء وتهميش جيل وإبعاده عن دائرة القرار ربما لعقود عديدة مقبلة. هي موريتانيا بفئاتها ومكونتها الاجتماعية تشد نفسها نحو الوحدة والتلاحم. هي إذن موريتانيا الاستقلال الانجاز لا موريتانيا "الاستقلال" كما أرادوه.