في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني
تتزاحم في رؤوس أهالي وعائلات الأسرى والأسرى أنفسهم، الكثير الكثير من الأفكار والأسئلة، ولعل الجميع يتفق على السؤال المركزي، الى متى سيبقى أسرانا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية؟ والى متى سيبقون مادة دسمة ،لكل رجالات السلطة ومختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، للاستغلال في المزايدات"والهوبرات" الإعلامية والمؤتمرات واللقاءات الصحفية والمتلفزة،وهناك الكثيرين منهم أسرى وأهالي، يقولون بصوت عالي ومشروع ، أن الكثير من أبناءنا سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ الى شهداء فعليين، كيف لا وهم يرون أن الكثير من أخوتهم ورفاقهم الأسرى، قد مر على وجودهم في المعتقل أكثر من عشرين عام،وأربعة عشر منهم دخلوا كتب "دينيس " للأرقام القياسية، حيث قضوا ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، وما زال المصير أمامهم مجهول والدرب والمسيرة طويلتان وشاقتان، وهم على يقين جازم بان المفاوضات العبثية والمارثونية،ليست الطريق التي ستقودهم للتحرر والإنعتاق من الأسر، حيث لم تفلح هذه المفاوضات في تحرير ولو أسير واحد من الأسرى المحكومين لفترات طويلة ،أو خارج أطار التصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية، والأسرى وعائلاتهم وأسرهم أنظارهم تتجه صوب غزة ولبنان، فعليهما يعقدون الأمل ويعتبرون ذلك فرصتهم الأخيرة في التحرر من الأسر،فإذا كان الإسرائيليون ،يرفضون تقديم تنازلات في القضايا الهامشية والحياتية من طراز إزالة أكوام ترابية عن مداخل بعض القرى والبلدات الفلسطينية،فهل قيادات من هذا النوع وعلى رأسها قيادة "الشاباك" جاهزة لصنع السلام، وهي لا تؤمن إلا بسياسة العنجهية والغطرسة وفرض الاملاءات والشروط، والتعامل معنا نحن الفلسطينيون كمجموعات سكانية، وليس شعب له حقوق، ويريد التحرر والتخلص من الاحتلال،أساس كل البلاء والشرور.؟
وقناعتي أن الجواب لا قاطعة، والطرف الفلسطيني المفاوض ،يدرك ذلك أكثر من غيره، كما أدركت الأطراف العربية الرسمية،التي طالما تغنت بالمبادرة العربية للسلام،بأن الاحتلال غير معني بالسلام، وأن عملية السلام تلفظ أنفاسها الأخيرة، وإن اكرام الميت دفنه،وأنه لا مناص من بحث عن طرق جديدة ومغايرة لكل ما هو قائم، للتعامل والتعاطي مع الاحتلال الإسرائيلي، من أجل استعادة الحقوق العربية المشروعة .
وبالعودة لقضية الأسرى الفلسطينيين، فيجب أن تتحول قضية أسرانا قضية كل بيت فلسطيني، وكل أسرة وعائلة،ويجب علينا أن نعمل أن تكون حاضرة في كل المؤسسات العربية والدولية، وأن تكون أحد أبرز العناوين في كل اللقاءات والاجتماعات التي نحضرها أو ندعى إليها بخصوص الشأن الفلسطيني الوطني والسياسي، ويجب على العالم أجمع أن يفهم ،بأن قضية أسرانا وبغض النظر عن لونهم وطيفهم السياسي،هي إحدى القضايا المركزية،والتي لن يستمر الطرف الفلسطيني فيها شاهد زور، ويسلم بالإجراءات الإسرائيلية والاشتراطات لإطلاق سراحهم ، وعلى الطرف الفلسطيني أن يبحث ويلجأ لخيارات أخرى من أجل ضمان إطلاق سراح أسرى شعبنا، وبدلاً من توجيه النقد لقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية عن شن إسرائيل لعدوانها على شعبنا الفلسطيني في القطاع، واستشهاد أكثر من ألف فلسطيني، على حد قولهم بسبب أسر الجندي الإسرائيلي"جلعاد شاليط" ، الأجدر بمن يوجهون سهام النقد تلك، أن يشرحوا لنا الطرق والكيفية ،التي سيحرروا بها أسرى شعبنا من السجون الإسرائيلية،إذا كانت إسرائيل حتى وهي تقدم لهم ما يسمى ببوادر حسن النية، لا تشاورهم ولا تستأذنهم في أعداد الأسرى ولا أسمائهم ولا مدد محكوميات الأسرى الذين ستفرج عنهم، بل توجه لهم الصفعة تلو الصفعة، حين نكتشف أن الأسرى المفرج عنهم،هم من ذوي الأحكام الخفيفة والذين قاربت محكومياتهم على الانتهاء، وتعتقل في نفس الفترة ما يوازيهم أو أكثر منهم.
أوليس من العار علينا أن نستمر في التفاوض والسير في مفاوضات عبثية، وأكثر من 53 نائب ووزير من أبناء شعبنا في السجون الإسرائيلية؟، هؤلاء النواب والوزراء الذين يشكلون العصب المركزي في القرار الفلسطيني، ويفترض أن يكون لهم دورهم وحضورهم وكلمتهم في كل ما يجري على الساحة الفلسطينية،ولنتعلم من عدونا فإسرائيل عندما اعتقل جاسوسها عزام عزام في مصر، وحكم عليه خمسة عشر عاماً،قامت الدنيا ولم تقعد واستخدمت إسرائيل كل الطرق والوسائل من،أجل الضغط على مصر لإطلاق سراحه، وطبعاً نجحت بعد خمس سنوات في مسعاها وجهودها، وخرج عزام عزام من السجن،أما نحن فاتفاقيات طابا والتي نصت على إطلاق سراح أسرانا المعتقلين قبل أوسلو، لم تنفذ منها إسرائيل شيئاً ولم تلتزم بأي شيء، فمررنا على ذلك مرور الكرام، والمخجل المبكي ،أن البعض منا يستجدي المفاوضات مع الاحتلال، بل ويعتبر ذلك ويشطح في تعداد الانجازات المتحققة من ذلك، ولماذا لا نتعلم من الشيخ حسن نصر الله وحزب الله، الذي قال وأوفى بوعده لأسراه وعائلاتهم،بأن الحزب لن يترك أي وسيلة من أجل تحرير أسراه، وبالكم لو ترك مصير الشيخان الديراني وعبيد وأنور ياسين وغيرهم من الأسرى اللبنانيين سابقاً ، ومن بعدهم سمير القنطار،الى حسن النوايا الإسرائيلية،هل خرج أحد منهم الأسر الإسرائيلي حباً؟، وكذلك القنطار الذي ينتظر إطلاق سراحه رغم أنف إسرائيل،لو ترك مصيره لحسن النوايا الإسرائيلية،فأنا أراهنكم بأنه سيتشهد في السجن،وهذا حال أسرى شعبنا الفلسطيني، والتي لم تثمر المفاوضات رغم كثرة وتعدد وتشعب جولاتها عن إطلاق سراحهم،ورغم أن الطرف الفلسطيني،أعلن وما زال يعلن عن أن السلام خياره الاستراتيجي،فإسرائيل ما زالت رافضة له، وتجترح الحجج والذرائع حول عدم وجود الشريك الفلسطيني، هذا الشريك الذي تريد منه،إن يسلم بكل شروطها واملاءاتها، والتي ربما تريد منه وتوصله الى قناعة،بأن هؤلاء الأسرى هم "إرهابيون" ويجب أن يحالوا الى المحاكم الدولية كمجرمي حرب، فعندها ربما يصبح هذا الشريك الفلسطيني الافتراضي مقبول إسرائيليا!.
ومن هنا في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، والتي تأتي وما وزال هناك أكثر من أحد عشر ألف أسير فلسطيني،في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، منهم أكثر من 360 قضوا أكثر من خمسة عشرعاما فما فوق ،يتوجب على السلطة والفصائل الفلسطينية، طرق كل السبل والوسائل، ووضع الآليات ،التي من شأنها أن تلزم سلطات الاحتلال بالإفراج عن أسرى شعبنا، ووفق جداول زمنية واضحة ومحددة ، وكذلك تعهدات دولية حقيقية بالإفراج عنهم، وليس بالارتهان والارتكان لحسن النوايا الإسرائيلية المفرغة من محتواها، والتي تأتي لذر الرماد في العيون .