سعد الدغمان نائب المدير
عدد الرسائل : 206 العمر : 58 الاوسمة : علم الأمة الموحد : 20/02/2008
| موضوع: (الإشاعة) شرارة الفتنة الصغيرة الأربعاء أبريل 09, 2008 1:14 pm | |
| (الإشاعة) شرارة الفتنة الصغيرةتعد الشائعات من الأخطار الكبرى التي تهدد أمن المجتمعات وتعمل على تفريق جموعها وتؤثر سلبا على تماسكها وبنائها الرصين وقد تؤثر في اقتصاديات تلك المجتمعات وتؤدي إلى إلحاق الضرر الفادح في بنيتها التحتية؛ وهي في وقت السلم مثلها في أوقات الحروب والأزمات لا تختلف إلا بدرجات معينة صعودا ونزولا وحسب التطور الفكري للجمهور ومستوى الإدراك لدى الشعب الذي يعتبر الحاضن الرئيسي للشائعات والأرض الخصبة لعملية انتشارها.والشائعة ظاهرة خطيرة تستشري في المجتمعات الإنسانية وتزدهر في زمن الفتن وظروف المواجهة غير المتكافئة وهي عملية شائكة ومرعبة إن لم يتم التصدي لها بمزيد من الوعي والإدراك لأهدافها ليتم القضاء عليها والتخلص من تبعاتها. وعادة ما تستند الشائعة أو الإشاعة على مصدر معين للخبر أيا كان منشأه سواء من الصحف أو الإذاعة أو التلفزيون أو حتى من الأشخاص أو ربما من جراء تناقل الأخبار بين الناس ح فهي بوصف عام مجرد خبر يمتاز بالشيوع والانتشار بين الناس. والإشاعة في اللغة من الشيوع أي الانتشار والتقوية ويقال شاع الخبر أي قوي؛ أما في الاصطلاح فهي النبأ الهادف الذي يكون مصدره مجهولا وهي سريعة الانتشار وذات طابع استفزازي أو هادئ وحسب طبيعة النبأ.* تاريخ الإشاعة......................عرفت الإشاعة أو الدعاية كما تسمى أحيانا (منذ فجر التاريخ ) وكانت الخطابة اليونانية القديمة وسيلة من وسائلها؛ وقد جاء اعتراف أفلاطون بقيمة تلك الخطابة في ميدان الدعاية السياسية كدليل بارز على قوة استخدام الدعاية في هذا المجال ؛ كما أن الإشاعة استخدمت في الشعر اليوناني القديم حيث كان اعتماد قدماء اليونان والرومان على الشعر كبير جدا.ودخلت الدعاية أو الإشاعة المجال الديني ولعبت فيه دورا غاية في الخطورة ففي عهد البابا (غر يغور السابع) عقد مؤتمر ديني لنشر الدعاية للمذهب الكاثوليكي ويقال أن كلمة (دعاية) قد أخذت معناها من هذا المؤتمر وأخذ استخدامها ينتشر في اللغات الأوربية الحديثة. وفي التاريخ الإسلامي فقد أعتمد العرب كما اليونان على الدعاية من خلال الشعر وبشكل واسع وكبير وتم استخدام ذلك في الحروب الصليبية حيث لعبت الدعاية دورا هام في جميع الأدوار ذلك أن الفكرة الحرب تم الترويج لها من قبل فقهاء الدين وبواسطة القصص الديني والذي كان يلقى على الجنود في الميدان فيترك تأثيره الواسع على نفوس الجند ويساعد على رفع معنوياتهم في ساحة القتال كون القضية التي يقاتلون من أجلها قضية عادلة.وفي القرن العشرين وخلال الحرب العالمية الأولى ظهرت الحاجة الماسة إلى (الدعاية السياسية) والتي أخذت بالتطور إلى أن أصبحت علما مستقلا بحد ذاته يشغل حيزا معروفا في مجال العلوم وله قواعده وأصوله وأصبح هناك جماعات تختص بهذا العلم وتعمل في مجاله. كما ساهمت الإشاعات المستخدمة خلال الهجمات والحروب في إسقاط مدن وتقويض جيوش كالتي كان يبثها (جنكيز خان) عن طريق رسله والتي كانت تصف بطش جنوده ووحشيتهم الأمر الذي يترك الأثر النفسي البالغ في عقول سكان تلك المدن الإسلامية أنذاك ويسهل للجيش الغازي احتلال تلك المدن وربما اليوم وفي تاريخنا الحديث العديد من الأمثلة على الشائعات أو (الدعاية) كانت قد مارستها الجيوش أو البلدان في حروبها المتعددة ضد أعدائها سواء في ميادين القتال أو حتى بعد القتال أو ربما قبله لغرض تفتيت بنيانها الرصين وفك عضد وحدتها وتآزرها ومن ثم السيطرة عليها وأبرز الأمثلة أن الجيش الأمريكي في حربه الأخيرة على العراق كان قد لعب على هذا الوتر من خلال بثه لعدد من الطابور الخامس الذين قام بتدريبهم وتجهيزهم لهذا الغرض وكانوا يدخلون المدن العراقية قبل القوات الأمريكية وهم يرتدون (بزات عسكرية عراقية) ليقوموا بمخاطبة ضباط الجيش العراقي وجنوده بعدم المقاومة والقتال الذي لا جدوى منه أمام تلك القوات الكبيرة الحجم والحديثة التجهيز والركون إلى الاستسلام أو مغادرة المواقع القتالية مضمنين حديثهم وقائع معينة عن معارك دارت في أماكن أخرى وجرت فيها فضائع ليس لهم القدرة على تحملها مما حدا ببعض الوحدات إلى الاستجابة لهذه الإشاعات وترك ساحة المعركة والانسحاب تاركين الأبواب مشرعة للقوات الغازية دون مقاومة وبذلك تحقق القصد من استخدام الشائعات وبصورة مطلقة؛ وهناك العديد من الأمثلة الأخرى التي تسهم في تعزيز ما ذهبنا اليه من أن الإشاعة حين تجد الأرض الخصبة لإنتشارها لاتخلف ورائها سوى الرماد والمجتمعات المفككة الضعيفة المغلوبة على أمرها.وتختلف الشائعات حسب اختلاف جهة إطلاقها ومصادرها ويمكن أن تكون مدحا أو ذما أو ربما يندمج في كنفها الوصفين السابقين؛ وبعض الشائعات تبدو غريبة ولا تصدق لكن عملية انتشارها وترديد الناس لها يساهم في قبولها كحقيقة واقعة إنطلاقا من المبدأ الذي أنشأه وزير الدعاية الألماني (غوبلز) والذي ينص على قوله(كذب كذب حتى يصدقك الآخرين). ويمكن أن تطال الإشاعة أشخاصا صالحين أو طالحين فهي لا تميز فحوى الخبر أنما تسعى لنشره.أما الدعاية السياسية فهي ما تعتمد عليه الدول في حروبها؛ ولها في ذلك قناة هامة تتمثل بالأعلام الذي يؤثر في عقول الناس واتجاهاتهم وتصنف الدعاية السياسية الإعلامية كالأتي:* الدعاية المظللة: وهي التي تنسب لحقيقة صغيرة كما هائلا من الأكاذيب فتخلطها معا بحيث يتوه المتلقي بين الحقيقة وسيل من الأكاذيب؛ فيصدق بالتكرار والتركيز.* الدعاية الموجهة: وهي التي تصوغ الأحداث وفق تيار سياسي أو فكر عقائدي محدد بعيدا عن واقع الأمر الذي أثبت مشاركة جماهيرية واسعة تجاوزت العديد من التنظيمات السياسية والإعلامية.*الدعاية المعادية: وهي مكشوفة الأهداف؛ وإن لجأت للتظليل والافتراء وتحوير الحقائق إلا أنها تكون منحازة بالضرورة.*الدعاية الديمقراطية: وهي التي تعرض لحقائق غير منحازة؛ لاسيما أن الانحياز للحق في هذا الأمر هو الحياد بعينه؛ وفي هذا النوع هناك مرونة وقابلية للحوار والإقناع.وهنا يمكن القول أن الحروب تبرز لنا بشكل واضح كيفية تعامل وسائل الأعلام مع الأحداث وتأخذ صبغات مختلفة يبرز من خلالها طابع الحرب النفسية والإعلامية مع الاعتماد على قوة الحرب المدمرة.أساليب الإشاعة (الدعاية):وعند ذكر هذه الأساليب فأننا لا نخص فقط الدعاية السلبية بل الدعاية الإيجابية تشترك أيضا في بعض أساليبها ومنها:*النكتة: وهي التي لها أثر كبير في الرأي العام خاصة في الشعوب التي تميل بطبيعتها إلى ذلك ؛وقد يحدث أن يكون للنكتة أثر كبير وعميق في الرأي العام .*التكرار: ويستخدم هذا الأسلوب لتثبيت المعلومات المراد إشاعتها بين الجماهير.*الأسلوب الديني: وهذا خطر جدا إذ ينفذ إلى الأمة من أعماقها وعقائدها ويحاول نسف كيانها العقائدي وتحقيق مصالح مروجي الإشاعة .*الاستضعاف والاستعطاف: ويستعمل هذا الأسلوب بغية التأثير في نفس المقابل؛ وعليه تعتمد الصهيونية كثيرا في نشر دعاياتها ضد الدول العربية في ربوع أمريكا؛ ومثاله استخدام الصهيونية عبارات مؤثرة في نفوس الشعب الأمريكي مثل قولهم(أعطونا لنعيش) ومع هذه العبارة رسم طفل صغير يريد طعاما فلا يجده؛ بذلك يستدرون عطف الأمريكيين.*الشعارات: وهي عبارة عن الكلمات البسيطة التي تصدر عن الزعماء في كل حركة من الحركات السياسية والاجتماعية ثم يرددها الشعب نفسه وربما تدخل الأناشيد والقصائد الشعرية والأغاني فيها.*منطاد الاختبار أو جس النبض: ويكون ذلك غالبا عن طريق الإشاعات التي تطلق بين الناس في وقت معين؛ثم يجري تحليل الرأي العام بالنسبة لهذه الإشاعات ؛ فإذا أثبت التحليل نجاحها ذاعت وتكررت؛ وإذا أثبت فشلها عذل عنها إلى غيرها.*أسلوب الكذب والاختلاق.*الصورة الكاركترية: وتستخدم للنفاذ إلى العقل بدون عناء؛ وهي وسيلة مختصرة ولكن عميقة الدلالة والأثر.*الأسلوب الاستنكاري: هو أن تطرح الإشاعة بلهجة استنكارية تثير لدى الإنسان حافزا استنكاريا مقابلا لمعرفة الحقيقة واستنكارها؛ ثم يأتي الأسلوب ألإثباتي وهو امتداد للأسلوب الأول حيث أن إيجابية رد الفعل في الأسلوب الأول وتقرير معلومات الإشاعة لحقيقة ثابتة.*محاولة خلق عدو وهمي للأمة: وهذا يحاول أن يفترس الأمة في أي لحظة(وهما) وهنا يصبح من الميسور إصدار مختلف أنواع الإشاعات بشكل بشكل مهول وفي أي وقت؛ وهذا الأسلوب يستخدمه الزعماء الديكتاتوريين في الغالب إذ يصنعون أمام نظر الشعب عدوا كبيرا وخطيرا ليروا سياساتهم الخاطئة ويصرفونهم إليه بدلا من قضاياهم المصيرية.*الأسلوب العلمي: وفيه تطرح الدعاية بأسلوب يدعي أنه علمي ويتفلسف في الكلام في سبيل جلب ثقة المقابل بأنه عالم وفاهم فيتقبل منه الإشاعة برحابة صدر.* الاحتواء: وهو محاولة إفهام المقابل أنه على رأيه ومذهبه وبعد أن يطمئن اليه يبدأ المشيع ببث أفكاره شيئا فشيئا فلا يجد معارضة من الطرف المقابل.*أسلوب التربية والتعليم.الآثار على المجتمع:أن انتشار الشائعات في المجتمع يعتبر وسيلة لانتشار المعنويات فالطرف المستهدف للشائعة هو المعني بتمزيق معنوياته كما أن الإشاعات يمكن أن تبني حواجز تحجب من خلالها انتشارها الحقيقة فيحدث نوع من البلبلة في التعرف على الحقائق وربما يصعب تصديقها... كل هذا يولد مناخا مربكا للناس ويؤثر في مصداقية الرأي؛ ويفسخ المجال لانتشار الأكاذيب والأخبار المبنية على مقاصد سيئة مما يبث طاقات سلبية في المجتمع.وفي التاريخ الإسلامي أحداث كثيرة نلمس فيها الأثر السيئ للإشاعة فعلى سبيل المثال انتشرت في عهد الرسالة بعد الهجرة إلى الحبشة شائعة أن كفار قريش قد أسلموا فما كان من المسلمين الذين صدقوا الخبر ورجعوا إلى مكة وقبل دخولهم علموا أن الخبر كاذب؛لكن عددا منهم كان قد دخل مكة فأصابهم عذاب قريش وقد كانوا قد نجوا منه بالخروج من مكة .وأيضا حادثة الإفك تلك الشائعة التي انطلقت وعانى منها أطهر الخلق علبه الصلاة والسلام وزوجته عائشة رضي الله عنهما. كما وقد أحدث في وقتها إرباكا للناس وانتشارا للأقاويل الباطلة وطال أذاها قلب أبي بكر وصفوان بن المعطل رضي الله عنهما حتى أثبت الله كذب تلك الإشاعة.عملية التصدي للإشاعة:إن من يروج للإشاعة له مقاصد قد يعيها وقد لا يعيها ولكنها لأتخرج عن دائرة أن له رغبة في تهميش الآخرين أو أن المسألة هي تمضية وقت فراغ بأحاديث وأخبار. ويمكن للإشاعة أن تنجح بسهولة إذا ما اعتمدت في جزء منها على حقيقة ما وإذا ما كان المجتمع يعاني من شح مصادر الأخبار. أن علينا أن نعرض الخبر الذي نسمعه أو نقرأه على عقولنا فالإشاعة عادة لاتكون عقلانية أو منطقية؛ وعلينا أن نتثبت من الأخبار قبل تصديقها والعمل بها؛ ومما يدلل على ذلك نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال وقوله(بئس مطية الفتى زعموا) يعني قالوا وسمعت وهكذا يقول الناس.وفي قصة عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين دلالة على التوجيه النبوي للتحري والتثبت قبل التصديق؛ حيث نقل زيد بن أرقم الأنصاري رضي الله عنه إلى الرسول الكريم قول ذلك المنافق(لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وهو يقصد نفسه بالأعز ويقصد الرسول الكريم بألأذل- حاشى الرسول الكريم من هذا الكلام ؛وقد تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أراد أن يتثبت من صحة النقل فقال (ياغلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت) فقال: والله يارسول الله لقد سمعته (فقال): لعله أخطأ سمعك (وفي رواية البخاري: فصدقهم وكذبني فأصابني هم لم يصبني مثله فجلست في بيتي) فأنزل الله إذا جاءك المنافقون.... إلى أخر الآية الكريمة (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم) إن الله قد صدقك يا زيد.إن التحري والتثبت وتفنيد الخبر مع مصدره إجراء إستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم ليرشدنا الى أهمية عدم قبول الخبر على علاته وأن صدر حتى من الأعداء إذ علينا أن نتثبت من الخبر قبل تصديقه أو إشاعته. ةيجب أن تتضافر جهود الجميع أفرادا ومؤسسات من أجل الحيلولة دون بث أو ترويج أية معلومات أو بيانات غير حقيقية؛ خاصة في أوقات الأزمات وهو ما يؤثر على المجتمع وأفراده ويحدث بلبلة تزيد من التناحر في الرأي وتفسح مجالا لزرع الأكاذيب وترويجها. وهي باب من أبواب الفتنة التي قال عنها سيدنا عمر رضي الله عنه(لعن الله من أيقظها) فهي لا تبقي ولا تذر حين تستشري في المجتمع متمثلة بشرارة صغيرة تؤجج النار الكبرى التي تفتك بالجميع .سعد الدغمان | |
|