كمال صقر العروبة المدير العام
عدد الرسائل : 342 العمر : 40 الدولة : الوطن العربي الاوسمة : 05/11/2007
| موضوع: واجب العمل القومي الأربعاء يونيو 04, 2008 2:57 pm | |
|
واجب العمل القومي
كيف يجب أن يكون موقف الشباب الواعي من قضيته القومية؟ كل سؤال إذا أحسن وضعه يتضمن في باطنه الجواب، اذن فلنحاول ان نضع سؤالنا بغاية ما يمكن من الدقة والضبط فنقول: كيف يجب ان يكون موقف الشباب العربي الواعي من قضيته القومية في مرحلتها الحاضرة؟
ونعتقد بأننا على هذه الصورة قد حددنا السؤال او المسألة بأكثر ما يمكن من الدقة، ومن وضعها على هذا الشكل نستخلص جملة نتائج. نحن سمينا هذا الشباب فقلنا عنه الشباب العربي، ووصفناه بالوعي، وطلبنا أن يكون له موقف من قضيته القومية، لا من شيء مجرد عام مبهم هو القضية القومية. لم نطلب منه موقفا تجاه مسألة فلسفية هي القومية بل طلبنا منه موقفا من أمر حيوي ذي اتصال مباشر بحياته وقلنا من قضيته القومية. ولم نترك المسألة عرضة للإبهام والتناقض، فحددناها بقولنا من قضيته القومية في مرحلتها الحاضرة.
فالنقطة الأولى، أي ما استنتجناه من قولنا الشباب العربي، هذه النقطة تبين لنا وضع الأمة العربية الخاص، اذ نحن لا نبحث في الشباب بصورة عامة، في شباب أية أمة من الأمم في أي زمن من الأزمان، بل نبحث عن شباب أمة معينة في وقت معين. وهذا يعني أننا نعرف الوضع الخاص لهذا الشباب بالنسبة لوضع امته الخاص أيضا، أي للفارق بينها وبين غيرها من الأمم. فلو أردنا ان نصف هذه الأمة وصفا مجملا لقلنا انها أمة عظيمة الماضي وهزيلة الحاضر ومجزأة في داخلها تخضع لحكم الأجنبي في أكثر أقطارها، ونتج من ذلك ان هذه الأمة تريد ان تتحرر من الأجنبي وان توحد أجزاءها وتنهض من تأخرها لتستطيع تحقيق إمكاناتها كلها وتسترجع هكذا رسالتها الخالدة بين الأمم.
هذه الأمة، الأمة العربية التي نبحث الآن عن فئة منها، الشباب، تنظر من جهة الى ماضيها ومن جهة أخرى الى حاضر غيرها، فماضيها مجيد عظيم وحاضر غيرها كذلك. وكما أنها لا تستطيع تجاهل ماضيها وصم سمعها عن ندائه، فهي كذلك لا تستطيع التعامي عن حاضر غيرها من الأمم التي تحيط بها وتؤثر في مصيرها بشتى الطرق.
وكما ان البون شاسع بين هذه الامة وماضيها فكذلك البون شاسع بينها وبين حاضر غيرها من الأمم. وهي انما تطلب غاية واحدة تبدو للنظرة الأولى مزدوجة. تطلب ان ترتقي الى ما يساويها بماضيها المجيد وبحاضر الأمم الأخرى.. هكذا يكون تذكرها لماضيها ووعيها لحاضر غيرها حافزا مزدوجا لها للنهوض. أو نقول: يكون لها من هذا الوعي لحاضر غيرها والتذكر لماضيها حافز وضرورة قاهرة. تذكر الماضي يحفزها، ووعي حاضر الأمم الأخرى يريها الضرورة القاهرة الى النهضة ويشعرها بها. وهذا الارتقاء إلى مستوى ماضيها وحاضر غيرها هو بالنسبة لذلك البون الكبير لا يكون بالنمو أو بالتطور الطبيعي، فالشقة واسعة وبعيدة ولا بد من الانقلاب حتى يتحقق الارتقاء العسير.
فشباب هذه الأمة إذا اعترفوا بصفتهم الأولى وميزتهم الأولى أي الصفة العربية، أي انتمائهم لهذه الأمة يجابهون بمجرد اعترافهم بهذه الصفة كل المشاكل التي تنتج عن تعريفنا لحاضر الأمة العربية وعن وصفنا المجمل لحياتها. فلنأخذ النتيجة التي استخلصناها من الصفة الأولى وهي أن للأمة العربية وضعا خاصا يفرقها عن غيرها من الأمم الحديثة. ماذا نرى؟
نرى أن الأمم الراقية القوية في العالم الحاضر تتقدم دون حاجة إلى الانقلاب، فحسبها بين حين وآخر أن تصلح بعض نواحي حياتها، بأن تستبدل بقوانين وأنظمة عتيقة قوانين أخرى أكثر ملاءمة للزمان، وان تستبدل بأشخاص قصرت كفاءتهم او تلوثت نزاهتهم أشخاصا أكثر جدارة وأنصع صفحة.
هذا ما يجري في الأمم الراقية القوية وهذا ما نلمسه ونسمع به يوميا، فإن رقي تلك الأمم يجعلها في غنى عن الانقلابات العنيفة. والجسم السليم هو محافظ بطبيعته لا يرجو غير النمو الطبيعي لان فيه تكاملا لصحته وسعادته، اما الجسم المريض، فالنمو الطبيعي بالنسبة اليه هو استفحال المرض وتفاقم الخطر.
فالملاحظة الهامة في هذا البحث هي أن لا يؤخذ الشباب العربي بوهم أمكان مسايرته للأمم الراقية، أو أن لا يؤخذ بوهم إمكان معيشته كما يعيش الشباب في تلك الأمم الراقية، فثمة اختلاف جوهري بين الحالتين. قد يكون الحياد السياسي أو الانقطاع إلى شؤون العمل الفردي الخاص أمرا جائزا بل واجبا عند تلك الأمم ولكنه بالنسبة إلينا وإلى حالتنا، إذا نحن أخذنا بوهم الشبه الظاهري وسولت لنا أنفسنا أن نعيش كما يعيش أهل الأمم الراقية، نكون قد جهلنا معنى الطور التاريخي الذي نجتازه. فكون أمم مختلفة تعيش في عصر واحد لا يعني أنها في نفس الحالة وأن لها نفس الحاجات وأعود واكرر بأن الأمم الراقية في الغرب تستطيع التقدم دون حاجة للانقلاب، والتفكير الانقلابي فيها يكون شذوذا مستهجنا ومخالفا لطبيعة الأشياء، وتبذيرا للقوى في غير طائل، وانحرافا عن الطريق السوي المنتج، في حين أن التفكير التطوري بالنسبة لحاجتنا، وعندنا، هو الشذوذ المرضي، هو التبذير للقوى، هو الانحراف عن الطريق السوي. فنحن بالنسبة لحالتنا لا نستطيع إلا أن نكون انقلابيين نفكر تفكيرا انقلابيا، لأن في ذلك وحده محاولة لمداواة المرض وإيقافه عند حده، ومحاولة لتغيير كل وضع الجسم المريض وهزه هزا عنيفا حتى تتكون لديه حالة جديدة يظفر بها على المرض. فإذا أخذ الشباب بنتيجة ما يطلعون عليه وما يقرأونه من أخبار العالم الراقي، وإذا توهموا أن غاية الحياة عندهم هي أن ينصرفوا للشؤون الخاصة والنجاح الفردي وإلى التفكير الحر المجرد كما هو شأن الشباب في تلك الأمم، يكونون قد خانوا أمتهم وخانوا أنفسهم في آن واحد لأنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك النجاح الفردي والثقافة الحرة والإبداع الخاص في امة هذه حالها، وهم علاوة على ذلك يتنكبون عن حمل أعظم مسؤولية وأشرفها، مسؤولية جيل قدر عليه أن يحقق هذا الانقلاب التاريخي.
ينتج عن كل ذلك نتيجة أردنا الوصول إليها من الصفة الثانية لتعريف الشباب الواعي، فصفة الوعي هي التي تسمح للشباب بأن يكتشف حقيقة منزلته في أمته وفي تاريخها، فاذا قدر الوعي للشباب، عرفوا أن هذه المرحلة التي تجتازها الأمة العربية مرحلة ثورية نضالية بمعنى انها تهيئة للرقي، وليست بمرحلة رقي. وهنا يظهر الفرق مرة ثانية بين شباب امتنا وشباب الأمم الأخرى.
فشباب هذه الأمم الأخرى مكلفون بالرقي لا بتهيئته، بمتابعته لا بتوفير شروط ظهوره. وأما الشباب في امتنا، الأمة التي تشكو من التأخر ومن التجزئة ومن فقدان الحرية والسيادة، هذا الشباب لم يقدر له أن يستمتع بالرقي وأن يعيش عيشة استقرار ومدنية، ولكن قدره هو قدر جيل محارب، جيل مناضل يهيئ بنضاله الحرية والاستقرار والرقي للأجيال القادمة. والشيء الهام في حياة كل جيل هو: أولا - أن يعي مهمته التاريخية الحقيقية في أمته. ثانيا - ان يقوم بها. ولا يفضل جيل جيلا آخر بنوع المهمة التي قدرت له، بل يفضل الجيل الآخر بقدر وعيه لمهمته، وبقدر تحقيقه لها. ولا يفكر احد منا بأن يفضل جيل العلماء والكتاب والمتفننين الذين ظهروا في عصر المأمون مثلا بنتيجة ازدهار الحضارة واستقرار الحياة على جيل العرب المجاهدين الذين لم تتوفر لهم الثقافة ولا الإبداع الفني والفلسفي والعلمي لكنهم قاموا حق القيام بمهمتهم التاريخية بالنسبة لحياة أمتهم، فكانوا بناة مستقبل طويل لها. اذن فليست القيمة في نوع المهمة بل في وعيها وفي حسن تحقيقها والاضطلاع بها. فاذا تبين لنا أن مهمة جيلنا اليوم هي انقلابية نضالية ووعيناها وهيأنا في أنفسنا وتفكيرنا وفي شروط حياتنا كل ما يمكن ان يساعدها على التحقق نكون قد ملأنا مكاننا وقمنا بواجبنا. وليس يطلب منا ما هو مطلوب من أبنائنا بعدنا، أي ما يطلب من جيل الإبداع في الحياة المتمدنة المستقرة. وكل ما يمكن أن نحلم به وأن نقوم به هو في الحقيقة الإبداع في النضال، لان النضال لا يعني شيئا سلبيا جافا بل هو حياة بكل معنى الكلمة، متسع لتحقيق المواهب ولتكامل الفضائل ونمو الحيويات على أوسع شكل.
قلنا ان الامم الراقية تتقدم دون حاجة لانقلاب، ويكفيها بين حين وآخر اصلاح بعض نواحي حياتها، كما يكفي الجسم السليم أن ينتبه بين حين وآخر لمعالجات جزئية وبسيطة ولوقاية نفسه من خطر الأمراض، يكفي هذه الأمم لتتقدم ان تبدل بين حين وآخر بعض الأنظمة والأشخاص، وهذا هو التطور، ولكن حالة كحالتنا لا يكفيها التطور بل يؤذيها وتستدعي الانقلاب. ليست المعضلة فيها معضلة أنظمة وقوانين أمست عتيقة بالية ولا معضلة أشخاص قصرت كفاءاتهم او اشتبه في أخلاقهم، بل المعضلة جوهرية وعامة وأعمق بكثير من كل تلك المظاهر أي مظاهر القوانين والأنظمة والأشخاص. فعندما نقول انقلاب نعني تغيير العقلية والخلق. وهذا لا يتم من نفسه ولا يتم بالتطور الطبيعي. وقد قلنا ان الزمن يزيد الصحيح صحة كما يزيد المرض استفحالا: فاذا كنا نشكو من تشويه قد انتاب جوهر امتنا أو على الاقل انتاب التفكير من اساسه، والخلق في صميمه، فليس تبديل الأنظمة والقوانين والأشخاص بمبدل شيئا في جوهر الحياة.
خلاصة القول في هذا الموضوع هو ان الشباب يجب أولا ان يتذكر صفته الأساسية، وهي انتماؤه لأمة معينة معروفة، وان يعرف صفته الثانية التي اهلته لها ثقافته وهي صفة الوعي، فبالصفة الأولى يدرك الفارق بينه وبين القسم الآخر من العالم، بينه وبين الأمم التي يطمح لبلوغ مستواها، ولن يبلغ مستواها بتقليدها... فلا بد لنا من جيل يناضل حتى تتهيأ شروط الرقي التي نماثل بها الأمم الأخرى.
وبصفة الوعي ندرك ان التاريخ أهلنا لهذه المهمة النضالية واننا لم نخلق لنعيش عيشة فردية حرة انعزالية منطوية على النفس، وانما عيشة اعتراف واضح مكين بالصلة التي تربطنا بأمتنا، واعتراف بهذا الدور الذي يقدره علينا التاريخ، فنرضى به طائعين بل فرحين مبتهجين لان قيمة العمل ليست في نوعه بل في إتقانه.
والصفة الثالثة التي بيناها في تعريفنا للشباب بقولنا: كيف يجب ان يكون موقفه من قضيته القومية، الصفة الثالثة هي هذا الموقف النفسي الذي لا يجيز للشباب النظر لأمتهم كنظرهم لأية أمة أخرى، فكونهم منها يرتب عليهم موقفا نفسيا شعوريا وفكريا، يختلف كل الاختلاف عن الموقف الذي يمكن أن يقفوه من تاريخ الأمم الاخرى وحاضر هذه الامم. فموقفهم من تاريخ أمتهم متصل بحياتهم مباشرة فلا يجوز لهم الحياد ولا التفرج ولا الاستخفاف لأنهم مسؤولون عن هذه الصلة التي تربطهم بأمتهم اذ هي الشيء الوحيد الذي يبرر وجودهم ويجعل له معنى.
والصفة الرابعة في تعريفنا هي ان يدركوا قضيتهم القومية في مرحلتها الحاضرة وعندما ينتبهون لذلك ينقذون أنفسهم من التخبط في الأفكار المتناقضة، والآراء المتباينة، ومن نشدان الأعذار المختلفة لتجنب العمل. فنحن لا نطلب من الشباب أن يحددوا موقفا نظريا من قضيتهم القومية في كليتها بدون اعتبار للوقت الحاضر الذي نجتازه، إذ لو سمحنا بهذا الإبهام في تحديد الموقف وصرفنا النظر عن أمر الزمان، الزمان الحاضر، لأجاز كل فرد لنفسه ان يتذرع بشتى الآراء فيفسر هذه القضية القومية بتفسيرات مختلفة وبالنتيجة يتعذر الحصول على موقف جدي... يجمع أفراد الأمة.
اما اذا وضعناه على شكل القضية القومية في الحالة الحاضرة لنحول دون هذه المحاذير، فلا يمكن ان نبحث الانسانية في مرحلتنا القومية الحاضرة، ولا يمكن أن نبحث في تقدم العلوم والمخترعات، ولا في أمور غيبية لاهوتية ولا في كل هذه الأشياء التي قد يجوز بحثها لأمم تخلصت وانتهت من دور النضال وتهيئة الرقي، وغدت في مرحلة الترف الفكري وتخمة السلطان والقوة، فيمكنها أن تبحث في شؤون الإنسانية وعالم الغد والسلام والنظام وما إلى ذلك. في هذا خطر كبير على الشباب إذا أجازوا لأنفسهم هذا الانفلات والتيه في التفكير، ولم يحصروا تفكيرهم وشعورهم بما تقتضيه القومية في المرحلة الحاضرة، فهي مرحلة استجماع للقوى في الداخل، مرحلة تقلص وحصر وتركيز لا مرحلة إشعاع وفيضان، وهي مرحلة اهتمام بالنفس لا مرحلة غيرة على الآخرين.
القائد المؤسس عام 1943
| |
|