عزالدين القوطالي عضو ذهبي
عدد الرسائل : 113 العمر : 56 12/12/2007
| موضوع: الخصوصية والإستقلال في فكر الأستاذ ميشيل عفلق الإثنين يوليو 21, 2008 5:31 am | |
| الخصوصية والاستقلال في فكر الاستاذ ميشيل عفلق
اسماعيل ابو البندورة في ذكرى وفاة مؤسس البعث الاستاذ ميشيل عفلق التي تصادف في الثالث والعشرين من حزيران نجد أنفسنا امام شخص وفكرة ارتبطا ليشكلا إطاراً لمشروع فكري - سياسي (هو البعث) يقوم على احترام الخصوصية القومية (على الضد من الامميات) والاستقلال الفكري (على الضد من الهيمنة الثقافية والاستسلامية العلمية) والابداع الفكري المتمثل بانشاء مساحة للتفكير والاجتهاد والتعامل مع الواقع العربي وتكوين نسق سياسي قومي المضمون والشكل يعبر عن محتوى الفكرة ويسعى الى تجسيدها في الواقع.
ودأب الاستاذ ميشيل عفلق في معظم احاديثه على جعل الخصوصية القومية باعثاً على تأكيد الذات القومية واطلاق رؤية تاريخية حولها من خلال القدرة على فهم خصوصيات الامة ومكوناتها وتفاعلاً مع العصر والعالم, ولم تكن الخصوصية بالنسبة له شعاراً ظفراوياً, او نرجسياً يضخم الذات ويتمحور حولها او دعوة للانغلاق دون الامم والافكار الاخرى, ونجح في بلورة حقل جديد في الحياة السياسية والفكرية العربية يقوم على تحليل الواقع العربي بأدوات ومناهج تراعي معطياته وتستمد حقائقها منه واشتقاق الخلاصات والنتائج والعناصر المؤثرة فيه وطرق تفسيره وتحريكه وتغييره.
ولم يسع الاستاذ الى طرح نظرية وافكار متكاملة وكلية حول الواقع العربي وانما جعل هذا الواقع يعبر عن متطلباته ويطرح اسئلته واستحقاقاته واطلق للفكر حرية التفكير بهذه المتطلبات لكي يكون الجواب من طينة الواقع ومطابقاً له باعتباره الساحة التي تنشأ فيها الظواهر والاسئلة الملحة.
لقد سعى الاستاذ الى وعي مطابق يستجيب لمتطلبات الواقع العربي ولم يرغب باسقاط نظري عليه او جعله ميداناً للتجريب واختبار النظريات السائدة في هذا الميدان.
وهكذا اصبحت فكرة البعث تنطلق من الواقع وتعود اليه في حركة جدلية وابداعية تفسر الواقع وتدرس معانيه ونقائضه لكي تستخرج منها المسارات والدروب الممكنة للانتقال الى صعد جديدة وتغيير عناصره السلبية وازالة العراقيل من دروبه وفتح الآفاق امامه للتطلع ورؤية المستقبل.
وكانت »مؤسسة الحزب« وفقاً لرؤية الاستاذ هي الاداة التي انيط بها تحقيق الافكار بعد تنسيقها ولذلك تم التركيز عليها باعتبارها اداة ووسيلة لتحقيق وتجسيد الغايات وليس الغاية ذاتها وانشأ الاستاذ بسلوكه وتعاليمه ما يمكن ان يسمى »مؤسسة الضمير« القومي الذي يجب ان يحكم السلوك في مؤسسة الحزب, فاذا تناقضت مؤسسة الحزب مع مؤسسة الضمير, تقدم الضمير القومي على المؤسساتية والهياكل السياسية, ولذلك رشح الاستاذ افكاره بمثاليات ومناقب واخلاقيات ارادها ان تتقدم على الهياكل وكل فكر سياسي يومي براجماتي, وعلى ضرورات العمل السياسي التي يقال عنها انها تبيح المحظورات, لقد قدم الاستاذ خيارات المبادئ على ضرورات العمل السياسي المرحلي وهذا ما جعله يبدو مثالياً في نظر البعض كلما حاول وسعى لربط السياسة بالاخلاق.
اما الاستقلال الفكري لدى الاستاذ عفلق فقد كان يقوم اساساً وابتداءاً على فكرة وضرورة القراءة القومية الاستقلالية للظواهر العربية المرتبطة بظواهر العصر وتراثاته والمفتوحة على هموم اكبر واشمل من هموم الساحة القومية, ولم يكن يتضمن دعوة للفرادة والانعزال والانغلاق, ولذلك سعى الى اجتراح قراءة تعبر عن الهموم القومية وتفصح عن الخصوصيات المرتبطة بها وكان في ذلك مجتهداً اكثر منه اتباعياً او مستسلماً لكل ما يطرح حول واقع الامة العربية.
وانشأ بذلك منهجاً استقلالياً إبداعياً في التفكير ولم ينشئ نسقاً مغلقاً او سياقاً متعالياً واستعلائياً, وأسهم بذلك في وضع قواعد منهجية واضحة ولافتة تعبر عن كيفية قراءة ظواهر الحياة العربية واشكالياتها دون الانفصال عن التاريخ العالمي وافكاره الكبرى ولم يكن الاستقلال بالنسبة له ابتداع »مركزية عربية« استعلائية ترى نفسها فوق الامم والشعوب او الانغلاق داخل »نرجسية قومية« عقيمة.
كذلك اسهم الاستاذ عفلق في توضيح مفهوم الاستقلال والخصوصية بما يتجاوز ما كان مطروحاً في ساحات الفكر العربي من افكار تدعو الى الانعزال والانغلاق بحجة المحافظة على تراث الامة من هجوم ما سمي في حينه »بالافكار الهدامة!!«, وقدم رؤية مغايرة لهذه الاشكالية بما شكل اختراقاً وتغييراً لنمط القراءات ومناهجها فالأمة لا تصان بالانغلاق والتحجر ورفض الرؤى الاخرى, وانما بمقاربة الافكار والنظريات وكشف حقائقها وعيوبها وهذا مما يحصن فكر الامة ولا يجعلها عرضة للانسياق والانسحاق امام موجات الفكر الاخرى او الاستسلام العلمي لمعطياتها.
واقول في النهاية ان الاطار والافكار التي جاء بها عفلق سوف تبقى منبعاً ثراً لكل من يريد للأمة ان تبقى في افق تطورها ونهضتها واستقلالها وتلك مأثرته الفكرية ذات الدلالة. | |
|