عزالدين القوطالي عضو ذهبي
عدد الرسائل : 113 العمر : 56 12/12/2007
| موضوع: الوسطية في فكر البعث العربي الإشتراكي الإثنين يوليو 21, 2008 5:36 am | |
| الوسطية في فكر البعث لقد جرى في الآونة الأخيرة تداول مصطلح الوسطية من قبل أدعياء الثقافة ووسائل الأعلام العربي بشكل يعد تشويها لهذا المصطلح وإفراغا له من مضمونه ،فقد جرى تعريف الوسطية بأنها حالة تنأى عن التشدد والجمود والتزمت كونها تمثل الحلول الوسط مما يكسب هذا النهج واتباعه احترام الصديق والعدو في الآن نفسه وجرى تصنيف الدول العربية بناء على هذا الأساس إلى دول متزمتة ودول أخرى تنتهج النهج الوسطي مما اكسبها دورا محوريا في المنطقة العربية أو ما يسمى" بالإقليم"على حد تعبيرهم ،وادعوا ان الطرح الوسطي أدى بتلك الدول إلى تحقيق قفزات نوعية في برامج التنمية وتحقيق مستويات متقدمة من الرفاهية لشعوبها ،فما هي الوسطية إذن ؟؟ هل تعني الوسطية الارتماء في أحضان أعداء الأمة وهل تعني استلاب إرادة الأمة ورهن مقدرات الأمة للإمبريالية والصهيونية والتنازل بشكل مخزي عن ثوابت الأمة. ان الوسطية الحقيقية نهج أصيل في فكر البعث وهي فكرة لم تنشأ من فراغ بل جاءت لتؤكد أننا أمة وسطا كما جاء في محكم التنزيل"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم وان الله بالناس لرؤوف رحيم" صدق الله العظيم (البقرة143)،وكذلك في الحديث الشريف "خير الأمور أوسطها" ولذلك جاء البعث ليجعل هذه الفكرة محورية في فكره كونه(أي البعث) هو خير تعبير عن شخصية الأمة ،ولبيان ذلك لابد من الإشارة إلى المحاور الرئيسية والمفصلية في أدبيات البعث التي جاءت خير معبر عن الوسطية. أولا:الديمقراطية المركزية ونلاحظ هنا الربط والجمع ما بين مفهومين هما طرفي نقيض ،فالديموقراطية بمعنى المشاركة في الرأي واتخاذ القرار -لكن ما أراده البعث ليس الديموقراطية الليبرالية المتحررة من كل قيد أو ضابط- ولذلك نجد ان الديموقراطية اقترنت هنا بالمركزية التي تعني ان هنالك تمركز في القرارات ولا يعني بالتأكيد الدكتاتورية وإنما الالتزام بثوابت الأمة التي جاء البعث خير معبر عنها ،ولإلقاء المزيد من الضوء على هذا المفهوم الذي نحتته أدبيات البعث،حيث انه مفهوم غير موجود إلا في أدبيات البعث ،مما يدلل ان البعث قد اسهم مساهمة عملاقة في تطوير الفكر العربي الحديث بشكل عام وبذلك استحق عن جدارة ان يكون خير معبر عن شخصية الأمة وإبراز الوجه الحضاري لها، فالديموقراطية المركزية تتألف من أربعة عناصر متكاملة مترابطة عضويا لا يمكن الأخذ ببعضها وإغفال الآخر وهي : 1.انتخاب اولى الحلقات القيادية من القواعد و انبثاق التسلسل الأعلى اللاحق :وهي باختصار ان الخلية اللبنة الأساسية في التنظيم ومنها ينبثق التنظيم والتسلسل شيء غاية في الأهمية حيث انه يبرز الشكل الهرمي للتنظيم فعلى سبيل المثال لا يمكن ان يتم انتخاب قيادة شعبة دون انتخاب قيادة فرقة في البداية وهذا ينسحب على المستويات الأعلى. 2. نفذ ثم ناقش : وهي التعبير عن الثقة المطلقة للقواعد بقيادتها حيث انه من البديهي ان يكون القيادي صاحب خبرة ودراية وتجربة نضالية طويلة إضافة إلى انه مطلع على خفايا الأمور في التنظيم مما يؤهله ان يكون على قدرة اكبر لاتخاذ القرار المناسب ولذلك ليس من الضروري اطلاع الرفاق في القواعد على خلفيات أي قرار قد اتخذ لكن بالمقابل كفل الحزب للكادر الحزبي حق إبداء الرأي والاعتراض بعد تنفيذ التعليمات وذلك يعطي فرصة للقواعد ان تناقش القرارات بعد تنفيذها مما يغني التجربة ويجري من خلال هذه المناقشات التأشير على نقاط الضعف والخلل التي حصلت خلال التنفيذ ليتم تلافيها مستقبلا . 3. حرية النقد والنقد الذاتي : فقد أرسى حزبنا العظيم هذه الممارسة ابتداء من اللبنة الأولى في التنظيم صعودا إلى أعلى مستوى قيادة ليتم تأصيل هذه الممارسة في سلوك الرفاق في التنظيم ولتكون فيما بعد أحد أبجديات التعامل في حياة الرفاق والنقد هنا يعني النقد البناء المقصود منه تصويب ممارية أو أداء شابه الخلل مما يستدعي التنبيه والتذكير وليس التصيد من اجل الإيقاع بالرفاق أما النقد الذاتي فهو يمثل قمة السمو الأخلاقي حيث ان الاعتراف بالخطأ أمام الرفاق يعود الرفيق نفسه ان يسعى ان يطور من أدائه باستمرار ويتلافى الهفوات والأخطاء وبالمقابل يتعلم الرفاق ان يصفحوا عن رفيقهم الذي اعترف بخطئه أمامهم حيث ان الإنسان بفطرته غير منزه عن الخطأ وهذا الجانب هو التجسيد الحقيقي للحديث النبوي الشريف "كل بني آدم خطاء وخير الخطاءون التوابون" 4. خضوع الأقلية لرأي الأكثرية : وهو ان يؤخذ برأي الأكثرية عندما يتم التصويت على الموضوع ما لكن لا يعني ذلك ان تتخلى الأقلية عن رأيها ولكن يجب عليها ان تنفذ ما اختارته الأكثرية وهنا لا بد من توضيح أمر غاية في الأهمية من حيث ان اختلاف الرأي هنا حول الأمور الثانوية وليس المبادئ أو الثوابت فالمبادئ والثوابت لا مجال للنقاش فيها فهي لا يمكن تجزئتها أو التنازل عنها فهذه الممارية تغرس في الرفاق عادة الابتعاد عن التزمت في الرأي .
ثانيا: العلمانية المؤمنة فنلاحظ هنا المزج بين العلمانية بمعناها المجرد( وهو فصل الدين عن الدولة )والإيمان برسالة الأمة التي اختارها الله سبحانه وتعالى لحملها إلى العالمين ،والرسالة هي حقيقة إيمانية وليست رافعة أيديولوجية، فالعلمانية التي انتهجها البعث هي علمانية مؤمنة لا تفصل بين الدين والدولة كما هي العلمانية التقليدية وإنما تفصل بين المنصب السياسي والمنصب الديني كي تنأى بالدين عن الفسيفسائية السياسية والانقسامات والصراعات التي تحصل بسبب الخلافات السياسية فمعظم الفرق والتيارات الدينية باختلافاتها الجوهرية والدينية وحملات التكفير والتكفير المضاد التي تشنها على بعضها البعض سببها في الأساس السياسة واكبر مثال على ذلك الخلاف الذي نشأ بين الشيعة والسنة فهو بالأساس خلاف على منصب سياسي وليس خلافا دينيا وإنما تحول بفعل المزج بين المنصب السياسي والديني إلى خلاف ديني بحت، والذي لا يمكن محو هذا الخلاف فهو خلاف متأصل أسفر عن مزيد من الانقسامات التي ساهمت في توسيع الهوة بين الطرفين .
ثالثا: الأصالة والحداثة حيث حرص البعث ان يبقى على صلة بالماضي الغني للامة بانتصاراته وانكسارا ته كونه حصيلة تجارب الأمة ومخزون لا ينضب من الدروس والعبر لكن حرص البعث منذ البداية على ان لا يتقوقع في هذا الماضي أو نصبح مأسورين داخل هذا الماضي زمن هنا كانت ضرورة المزج ما بين الأصالة والحداثة فالحضارة العربية الإسلامية في العهود الراشدة والأموية والعباسية لم تصنع من فراغ بل أخذت من سبقها من حضارات مثل الفرس والروم والهنود وطورت ما أخذته وصاغته صياغة جديدة أضافت إليه وذلك كون المعرفة لا تخلق من فراغ. وإنما تأتى من خلال تراكم المعرفة الإنسانية مثل أمة تضيف على ما سبقها من الأمم وتسهم بذلك في تطور الإنسانية فالتقوقع في الماضي واجتراره والعيش على أمجاده حالة مرفوضة كذلك الانسلاخ عن الماضي والارتماء في أحضان الحداثة دون جذور حالة مرفوضة أيضا فنحن نأخذ من الغير ( أي الحضارات الأخرى ) ما يناسبنا ونرفض ما لا ينسجم مع رسالتنا وشخصيتنا . رابعا:القومية الإنسانية الربط ما بين القومية والإنسانية ربط لم يسبق البعث فيه أحد حيث ان القومية قبل ولادة البعث قد اعتبرت أحد شطحات البرجوازية ثم لاحقا تبنى الطرح القومي اليمين المتطرف وذلك في الثلث الأول من القرن العشرين ، لكن ولادة البعث أعادت للقومية القها الإنساني أخرجت الفكر القومي عموما من الغرق في مستنقع العصبية والتطرف واصبح الطرح القومي الذي يطرحه البعث طرحا قوميا يساريا بعد ان بقي الطرح القومي محسوبا على الاتجاه اليميني المتطرف فالقومية الإنسانية تبتعد عن الغرق في الجزء وتنأى عن التيه في الكل وهي تأكيد ان للامة رسالة مداها الأوسع الإنسانية الرجعة. خامسا : المثالية والواقعية ان الجدل ما بين المثاليين والواقعين جدل من الصعوبة بمكان حسمه ، كون كل طرف يسوق من الأدلة والبراهين على انه على صواب ، فالمثالية تعزل نفسها عن الواقع المعاش وتعزل نفسها في برج عاجي عن هذا الواقع كونها تحمل فكرا ساميا نبيلا لا يجوز _ انطلاقا من وجهة نظر المثاليين_ ان تتعاطى مع هذا الواقع الفاسد المليء بالتناقضات والسلبيات وعلى نقيضهم تبنى الواقعيون الفكر البراجماتي من حيث تكييف المبادئ حسب ما تقتضيه الظروف في سبيل تحقيق مصالحهم ، وهنا كان الرد البعثي انه مزج المثالية والواقعية في فكرة واحدة ، حيث ان لا الانعزال عن الواقع المعاش يكفل بتغيير هذا الواقع فكيف سيتغير هذا الواقع وهنالك حالة انعزال عن هذا الواقع ولا الارتماء في أعماق هذا الواقع والاستسلام له والتحول إلى جزء منه يجدي كذلك وهنا ندرك أهمية الموازنة ما بين الواقعية والمثالية من اجل الخروج بمعادلة تكفل لنا تغيير هذا الواقع المرير والانطلاق إلى الأمام في سبيل تحقيق أهدافنا سادسا: الاشتراكية العربية ان النهج الذي اختطه البعث في النظام الاقتصادي كان متميزا حيث أطلق عليه اسم الاشتراكية العربية لتمييزها عن الاشتراكية الماركسية أو التجارب الاشتراكية الأخرى حرصا من الحزب على ان يكون للامة العربية تجربتها الخاصة بها منطلقة من رسالة وتراث وشخصية الأمة فقد رفض البعث منذ البداية القوالب الجاهزة وآثر على ذلك صياغة تجربته الخاصة به ومنها الاشتراكية العربية ونتساءل من العلاقة بين الوسطية والاشتراكية العربية وعند ذلك نقول انه عندما نصف النظم الاقتصادية السائدة في العالم تكون على شكل خط مستقيم يمثل اليسار فيه الاشتراكية الماركسية ويمثل أقصى اليمين الرأسمالية أو ما نصطلح عليه الإمبريالية التي تمثل قمة الاحتكار والتسلط والاستغلال وتركز رأس المال ويمثل نصف الخط أي ما بين الاشتراكية الماركسية وإمبريالية الاقتصاد المختلط الذي يحمل سمات من النظامين الإمبريالي والاشتراكي . أما الاشتراكية العربية يمكن وصفها على أنها اقتصاد مختلط اقرب إلى الاشتراكية ولتقريب الفكرة يمكن وصف الاقتصاد الأردني وذلك قبل ان يجري تخصيصه بهذه الصورة الفجة بالاقتصاد المختلط اقرب إلى الرأسمالية ، فالاشتراكية العربية إذن تحمل ملامح من الاقتصاد المختلط والاشتراكي وبذلك تمثل الوسطية الاقتصادية ، حيث تعطى الحرية للقطاع الخاص للعمل بحرية لكن ضمن توجهات الدولة وضمن خطط التنمية التي تصفها الدولة وتكون وسائل الإنتاج الرئيسية تحت سيطرة الدولة وكذلك القطاعات ذات المساس بحياة المواطن والتي تسمى استراتيجية مثل التعليم والتموين والصحة والثروات الطبيعية …. الخ . وهذا لا يأتي من فراغ فقد استند البعث إلى تراث الأمة العظيم عندما صاغ هذه النظرية الاقتصادية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الناس شركاء في ثلاث الماء و الكلأ والنار " حيث انه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت هذه الأمور الثلاثة تمثل وسائل الإنتاج الرئيسية ولذلك وجب ان تكون ملكيتها عامة ( أي للدولة) ، فالاشتراكية العربية ليست (اشتراكية فقر) كما اتهمها خصومها ، فالاشتراكية العربية تسعى إلى تنمية الثروة وتوزيع عائدها على المواطنين ،كم ان الاشتراكية العربية لا تسعى لإيجاد سقف للغنى فمجال الغنى مفتوح لكل إنسان ولكن عبر وسائل الكسب المشروع، ومن مهام الدولة الأساسية ان تسعى إلى تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية وليس إلغائها نهائيا ، كون إلغاء الطبقات الاجتماعية يخل بتوازن المجتمع ويتعارض مع سنة الكون حيث يقول جل من قائل " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما أتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم " صدق الله العظيم(الأنعام 165)
سابعا: الفكر والممارسة ان قضية الفكر والممارسة قضية حيوية ليس فقط لنا كبعثيين وإنما لأي تنظيم عقائدي يسعى إلى تغيير الواقع المعاش لان الهدف من وجود أي تنظيم هو التغيير وليس إيجاد هياكل تنظيمية جوفاء لا حول لها ولا قوة أو مجرد تنظير وإطلاق شعارات لا تجد لها سبيل إلى تطبيق العملي على ارض الواقع، لذلك سعى الحزب منذ البداية إلى ان يجسد كل بعثي في سلوكه وفي كل نشاط يقوم فيه وحتى في علاقته مع أبناء مجتمعه (الفكر والممارسة) ،فكيف لك إذا ان تقنع الآخرين بفكرك وأنت لا تمارسه أو حتى تمارس نقيضه على ارض الواقع كأن تدعو إلى الوحدة العربية وتكون ممارستك على ارض الواقع قطرية منغلقة ،لذلك دعى الحزب للممارسة الفكر إلى ارض الواقع وليس مجرد المناداة به ، فعلى سبيل المثال عندما نادى الحزب بالوحدة طبق الوحدة على نفسه أولا بأن جعل التنظيم قوميا وله فروع في أرجاء الوطن العربي ولم يقصره على قطر معين ، إضافة إلى ذلك فان أي تنظيم عقائدي يبقي أفكاره ومبادئه حبيسة للكتب فقد حكم على نفسه بالفناء الحتمي فلا مكان للتنظير وترفه في ظل هذه الظروف التي تمر بها امتنا ، ومن خلال تطبيق هذه الفكرة أي ( الفكر والممارسة) نبرهن لأنفسنا وللآخرين ان فكرنا قابل للتطبيق العملي وليس فكرا نظريا جامدا ومن خلال ممارسة الفكر على ارض الواقع تتعزز قناعتنا به ويدرك الآخرين صواب طرحنا ،ولا نغفل أهمية الممارسة العملية للفكر النظري من حيث اكتساب الخبرة العملية وتطوير الجوانب التي نلمس أنها بحاجة إلى تطوير أو إضافة وخاصة ان أحد أهم ميزات فكر البعث انه فكر إنساني لا يملك النظرية الكاملة وهذه سمة أي فكر إنساني كونه قابل للخطأ والصواب وبذلك نأى الحزب عن وصف نفسه للفكر المنزه أو الكامل ، ولم ينزلق كما انزلق آخرون كثر كالتيارات الأممية والدينية .
ثامنا:الحياد الإيجابي ان أول من دعى إلى الحياد الإيجابي هو حزب البعث العربي الاشتراكي في افتتاحية الحزب (البعث)في 23 نيسان عام 1947،حيث أكد الحزب انه يرفض ان يكون طرفا في الصراع الدائر بين المعسكرين السوفيتي والانجلو أمريكي لان الانضمام إلى إحدى هاتين الكتلتين ليس غير مجد للعرب فقط وإنما سيعود عليهم بأوخم النتائج،وكما دعى القائد المؤسس رحمه الله حيث يقول"ان حركة البعث ترى انه ليس من مصلحة الأمة العربية في المرحلة الحاضرة من التاريخ ان ينهار أي من المعسكرين الرأسمالي أو الاشتراكي ،وهي لهذا دعت منذ البداية إلى الحياد،وبفعل الزمن والأحداث المحلية والدولية اتخذ هذا الحياد شكله الإيجابي القائم الآن (آذار 1957)ويقول أيضا (وهذا الحياد لا يجد مبرراته في الدواعي السياسية والاقتصادية وحدها بل يبررها أيضا موقفنا الحضاري وموقفنا من مشكلة الحرية في الصراع الدولي السياسي والعقائدي المحيط بنا كما تتجلى آثاره في علاقة أقطارنا ببعضها البعض ،وفي علاقات مختلف الفئات داخل كل من هذه الأقطار على حده،بحيث يمكن القول هو سلم عالمي داخلي عربي أيضا)ويقول أيضا رحمه الله(فسياسة الحياد تعني الحكم على كلا الطرفين بالخطأ،وان كان ذلك لا يشترط الخطأ ولا تساوي الضرر وكون هذا الحياد (إيجابيا) يعني ان هذا القسم الغير الصغير من العالم الذي اخذ بالحياد لا يكتفي بسلبية الرفض والتنصل من الخطأ وإنما يأتي بحل جديد.وبهذا المعنى تصبح فكرة الحياد اشمل من عدد الشعوب الآسيوية والأفريقية ، واعمق من المستوى السياسي البحت الذي يعبر به عادة عنها ، فالحياد الإيجابي بمعنى التطلع إلى موقف جديد شامل يرتفع فوق ذلك التضاد بين الاشتراكية والرأسمالية وبتعميق بين المشكلات الإنسانية والدولية اكثر من ذي قبل مستفيدا من جميع التطورات والتبدلات التي تمت منذ وضعت نظرية التضاد هذه وخاصة منذ تبلور الانقسام والصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي ) . وقد استمر الحزب في نشر هذه الأفكار ومطالبة الأنظمة العربية بانتهاج سياسة الحياد الإيجابي حتى أصبحت سياسة رسمية لكثير منها . واليوم وان يكن قد تراجع استعمال مصطلح (الحياد الإيجابي ) لصالح استعمال مصطلح(عدم الانحياز) إلا ان مضمون ذلك المصطلح أي المضمون الذي كرسه الحزب هو جوهر مبادئ حركة عدم الانحياز . وأخيرا بعد ان تم توضيح ما هي الوسطية في فكر البعث ،من خلال استعراض المحاور الثمانية آنفة الذكر ،فأنه لابد من التأكيد ان البعث ليس حزبا وسطيا ولا ينبغي ان يكون ،كونه حزبا انقلابيا لا يقبل بأنصاف الحلول ولا بالترقيع بل يؤمن بالثورة الشاملة على جميع مناحي الواقع الفاسد جملة وتفصيلا واجتثاثه من جذوره دون مهادنة ، وإقامة بناء جديد مبني على أسس صلبة متينة تكفل الاستمرارية والصمود في وجه التحديات ،فقد وجدت امتنا للمواجهة وليس لظروف الدعة والاسترخاء،كون التحديات التي تواجه الأمة أي أمة هي بقدر الدور الحضاري الذي تلعبه على مستوى الإنسانية وهذا يجيب عن التساؤل الذي يدور حول لماذا ان الأمة العربية مستهدفة اكثر من غيرها من قبل الصهيونية والإمبريالية حاليا والفرس والروم والفرنجة والتتار سابقا . فالوسطية تتجلى في المحاور الثمانية فقط،وكل ماعدا هذه المحاور الثمانية هو انقلابي بكل ما تعنيه هذه الكلمة،فالبعث هو حزب الانقلاب العربي،والانقلابية كلمة نحتتها أدبيات البعث وهي أوسع وأشمل مما تعنيه الجذرية أو الراديكالية . | |
|