عزالدين القوطالي عضو ذهبي
عدد الرسائل : 113 العمر : 56 12/12/2007
| موضوع: في التنظيم والتربية الحزبية : الوحدة والتنظيم القومي الجمعة أغسطس 22, 2008 3:30 am | |
| في التنظيم والتربية الحزبية الوحدة والتنظيم القومي ثالثاً - جماهيرية الوحدة:
كان البعث على الدوام يعتبر ان الوحدة لا يمكن ان تقوم الا نتيجة نضال الجماهير من اجلها. فالاساس عنده ان تتوحد الجماهير العربية، ومن ثم يأتي توحيد البنيان السياسي تعبيراً عن وحدة الجماهير، اي عن وحدة نضال الجماهير العربية.
ولذلك كان الحزب يرفض اي شكل من اشكال الوحدة الفوقية التي يدعو اليها الحكام او تنادي بها بعض الفئات الحاكمة في بعض الاقطار العربية. بل انه كان يعتبر هذا النوع من انواع الوحدة او الخطوات الوحدوية التي تتم بمعزل عن الجماهير والارادة الجماهيرية، اجهاضاً للنضال الوحدوي الحقيقي.
ولقد كان الحزب اميناً على مبدأ جماهيرية الوحدة في كافة المراحل والمعارك التي خاضها وفي كافة الظروف التي تعرض لها.
فحين طرح مشروع الاتحاد السوري العراقي الذي اشرنا اليه، عارض البعث هذا المشروع ببيان موسع جاء فيه:
« ان النضال الشعبي هو السبيل القويم والضامن القوي لبلوغ الغاية القومية وان الخطوات العملية تكون سليمة ونافعة او خاطئة مؤذية بقدر ما تتيح لهذا النضال ان يتسع ويقوى او تهدده بالانكماس والفتور». (نضال البعث. الجزء الثاني ص38).
بعد ذلك بسنوات عديدة قامت الجمهورية العربية المتحدة ثم تعرضت للانتكاس بسبب اخطاء معينة سمحت للقوى الاستعمارية والرجعية بتوجيه ضربة الانفصال التآمرية في 28 ايلول 1961، وكما بادرت قيادة ج.ع.م آنذاك الى اجراء تقييم ونقد ذاتي للممارسات التي ادت الى الوقوع في هذه الاخطاء، فقد قيم الحزب هذه التجربة مشدداً على ان الثغرة الرئيسية التي نفذت منها قوى الانفصال والردة لضرب الوحدة كانت اضعاف المشاركة الشعبية والجماهيرية في قيادة دولة الوحدة وحمايتها. ومن ثم دعا الى اعادة الوحدة على اسس جديدة تكفل للجماهير دورها في بناء الوحدة وتسيير دولتها.
يقول بيان القيادة القومية في تقييم تجربة الوحدة والصادر في 5/10/1961: «ان حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تعرض لأذى كبير وحملة افتراء ظالمة بسبب تحذيره من مغبة السياسة الاقليمية والبعيدة عن التنظيم الشعبي التي ينتهجها الحكم في اقليمي الجمهورية يؤكد اليوم ان تجديد وحدة سوريا ومصر وتحقيق الوحدة العربية الشاملة يتطلب التوجه الى جماهير الشعب وتنظيم قواها وتمتين منظمات طبقتها الكادحة في نظام ديمقراطي شعبي».
رابعاً- علمية الوحدة:
كانت الدعوة الى الوحدة العربية منتشرة كما ذكرنا بين العديد من المنظمات والهيئات ورجال السياسة في الوطن العربي. الا ان هذه المنظمات والهيئات لم تكن تملك طريقاً محدداً للتغلب على واقع التجزئة، هذا اذا كانت في الاساس ترغب في التغلب على الواقع.
ومع ولادة البعث بدأت الوحدة تأخذ طابعاً علمياً ينطلق من فهم الواقع الى تحديد الحلول لمعضلاته، ومن ثم الى تحديد الادوات، واشكال النضال الملائمة لتحقيق هذه الحلول.
لقد كانت الكثير من الحركات والقوى السياسية تنظر الى الوحدة نظرة خاطئة، فتخلط بين العلمية وبين الاستسلام للواقع في معالجتها لقضية الوحدة العربية، تضخم التباين في مستويات التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بين الاقطار العربية، لكي تنكفئ الى العمل في النطاق القطري.
اما الحزب فقد اقر بهذا التباين من اجل النضال لازالته: «نعرف ان بين الاقطار العربية تفاوتاً في الاوضاع والظروف الخارجية والداخلية، ونعرف ان الوحدة تتحقق على مراحل- كل ذلك ندركه ولكن رغم كل ذلك وجدنا ان من الضروري ان يقترن نضال كل قطر في سبيل حل مشاكله الخاصة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، بفكرة الوحدة والنضال من اجلها». (في سبيل البعث، ص242).
واقتران النضال القطري بالنضال من اجل الوحدة حققه البعث بالتركيز على توحيد التصور الاستراتيجي، وتوحيد الاداة وتوحيد اسلوب النضال.
فالبعث كان حريصاً على بناء استراتيجية المجابهة مع اعداء الامة العربية على امتداد الوطن العربي ككل. ولقد كان يحدث ان يخطئ الحزب نتيجة ولوجه او تسلمه السلطة في احد الاقطار، فيغلب استراتيجية نضاله في هذا القطر على الاستراتيجية القومية، لكن الحزب كان، بفضل مبادئه بالدرجة الاولى، قادراً على اكتشاف هذا الخطأ وعلى العودة الى تغليب الاستراتيجية القومية على نضالاته او على مشاغل منظماته القطرية.
ولقد تلازمت وحدة الاستراتيجية في الحزب مع وحدة الاداة، اي من التنظيم القومي، المنتشر في معظم الاقطار العربية، والذي تتجسد فيه صورة المستقبل العربي، صورة المجتمع العربي الموحد.
فالتنظيم القومي هو الاداة الموضوعية لتحقيق الوحدة، وكل محاولة لتخريب التنظيم القومي او لتزييفه او لتشويهه لا يمكن اعتبارها موجهة ضد الحزب، كمنظمة سياسية معينة، وانما هي موجهة بالدرجة الاولى الى فكرة الوحدة العربية مجسدة ومطبقة في هذا التنظيم. ولذلك يقف الحزب بعنف ضد كافة الانحرافات الاقليمية والقطرية التي تهدد بالتسرب اليه او بالسيطرة عليه من الداخل.
وتصلب الحزب في وجه هذه الانحرافات انما هو تعبير عملي وواقعي عن ايمانه بالوحدة العربية وحرصه على صيانة اداتها من الاذى والتخريب.
وعلمية الوحدة في حزب البعث تلزمه بتطوير الاداة الوحدوية تطويراً يتوافق مع موجبات المراحل التي تمر بها الامة العربية، وفرص الصراع مع اعدائها.
فحين يجد الحزب نفسه غير قادر وحده على قيادة النضال من اجل الوحدة، وحين لا يجد في نفسه طرفاً وحيداً قادراً على القيام بأعباء المهام القومية يطرح الحزب في مؤتمريه القوميين التاسع والعاشر «الجبهة الشعبية القومية» اداة لتحقيق مهام المرحلة. وبديهي هنا ان هذه الجبهة ليست بديلاً للحزب وانما هي الاطار الذي يعمل الحزب من خلاله.
وكما يحدد الحزب اداة الوحدة ويطورها فانه يطور اساليب مواجهته مع واقع وقوى التجزئة من خلال نظرة علمية الى الواقع العربي. فبعد ان تأكد للحزب فشل البرلمانية الاصلاحية والانقلابات العسكرية في تحقيق الاهداف الوحدوية، يقر الحزب في مؤتمراته اسلوب الكفاح الشعبي المسلح طريقاً لتحقيق هذه الاهداف.
ان هذه السمات التي طبعت الفكر والنضال الوحدويين عند الحزب مكنته من تحقيق اكثر منجزاته الوطنية والقومية، والتغاضي عنها او اغفالها كان سبباً في معظم العثرات والنكسات التي اصابته.
■ "الثورة العربية "، السنة الثالثة ، العددان 7 و 8
(عام1971) | |
|