المشروع الأمريكي بين المطرقة الروسية و سندان المقاومة العراقية
لا شك أن أحد أهم الإنجازات التي حققتها المقاومة العراقية الباسلة حتى الآن هو عرقلة المشروع الإستعماري الأمريكي للعالم ، فلقد أسقطت المقاومة العراقية البطلة نظرية إمكانية خوض القوات الأمريكية لحربين في الوقت نفسه ، و منعتها من المضي قدما ً في مخططها نحو احتلال سوريا ، و تهديد مصر و السعودية و غيرها من دول المنطقة و العالم .
كما كان للمقاومة العراقية الباسلة الدور الأبرز في السماح للتيار القومي اليساري في أمريكا الجنوبية بالتحرك بحرية أكبر و تغيير معالم الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية ، لتصبح أمريكا اللاتينية - أحد أهم المناطق الاقتصادية في العالم - ترفع اليوم شعار التكامل الاقتصادي الأمريكي الجنوبي كبديل عن الهيمنة الأمريكية على خيرات الجنوب من خلال معاهدات التجارة الحرة ، و لا بد هنا من الإشارة إلى الشكر الذي قدمه الرئيس الفينزويلي هوجو تشافيز للمقاومة العراقية المسلحة التي شغلت الولايات المتحدة ، و هيأت الفرصة لهم للتحرك سريعا نحو مشروعهم القومي اليساري في أمريكا الجنوبية .
أما اليوم و بعد أكثر من خمس سنوات على غوص المحتل الأمريكي في الوحل العراقي ، و ازدياد الأعباء المادية و البشرية و النفسية على قوات الاحتلال و حلفائه ، تبدو الأوضاع مهيئة أكثر أمام الدول ذات التوجه المعارض للهيمنة الأمريكية للتحرك بحرية أكبر ، و ربما التراجع عن بعض التنازلات التي قدمتها للولايات المتحدة الأمريكية إبان احتلالها للعراق و نصرها الموهوم هناك .
فبعد احتلال العراق شهد العالم كثيراً من التغيرات في ملامح الخارطة السياسية ، حيث أخذ حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب عموماً دوراً أبرز على الساحة السياسية ، و استلم العديد منهم السلطة بالفعل ، و هذا ما حصل في بيلاروسيا و جورجيا و أوكرانيا و عدد من جمهوريات آسيا الوسطى ، و كلها كانت بالأمس جزءاً من المعسكر الشرقي ، أو ما يسمى اليوم بالمجال الحيوي لروسيا الإتحادية .
أما اليوم فنلاحظ تراجع هذا الدور بشكل كبير ، فها هي روسيا تتدخل بشكل عسكري مباشر ضد جورجيا ، و تدعم استقلال كل من أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا عنها ، و ها هو التحالف الموالي للغرب في أوكرانيا ينقسم في ما يعتبره الرئيس الأوكراني المدعوم من الغرب ، انقلاباً دستورياً عليه ، من قبل حلفائه المدعومين من المعارضة الأوكرانية ، المدعومة بدورها من روسيا ، و قد نشهد في الأيام المقبلة الكثير من هذه الإنهيارات السياسية للموالين للغرب ، لمصلحة أولئك المدعومين من قبل روسيا .
المهم في الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع أن تقدم لحلفائها أياً من أشكال الدعم في مواجهة المد الروسي ، مما يؤكد عمق الأزمة التي تحيط بالأمريكان في العالم عموماً ، و في المستنقع العراقي على وجه الخصوص ، و لن ننسى بالطبع مأزقهم الكبير في أفغانستان مع عودة حركة طالبان من جديد ، و استعادتهم للسيطرة على مناطق واسعة من البلاد ، و التي كانت حتى الأمس القريب تحت سيطرة قوات التحالف ، و قوات حلف شمال الأطلسي ، و القوات الحكومية .
و في هذه الأثناء تنتهز كوريا الشمالية الفرصة السانحة أمامها ، و تعلن إمكانية إعادة النظر في مسألة وقف برنامجها النووي ، و ما يتعلق بالتعاون مع المراقبين الدوليين على منشآتها النوية ، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد في ذلك المستوى من القوة بحيث تهدد بيونغ يانغ و تجبرها على وقف مشروعها النووي كما كان عليه الحال قبل بضع سنين .
و هنا يجدر الإشارة إلى الرسالة المفتوحة التي بعث بها السفير العراقي الأستاذ صلاح المختار إلى كل من الرئيس الروسي مدفيدف و رئيس وزرائه بوتين ، أيد فيها تحرك روسيا في جورجيا ، و اعتبره خطوة استباقية هامة في مواجهة المخططات الأمريكية و ضربة استراتيجية لمحاولاتها للسيطرة على كل القوى و الدول التي تسعى للنهوض و لعب دور مؤثر على الساحة الدولية ، و أكد أن مئات الملايين من البشر قد رحبوا بهذا التحرك الروسي ، و أنهم يدعمونها في مواجهة الغول الأمريكي و مشروعه التوسعي الإستعماري الجديد .
و دعى الأستاذ المختار إلى توجيه ضربة قاصمة للولايات المتحدة و مشروعها الإمبريالي من خلال دعم المقاومة العراقية الباسلة بكل الطرق المتاحة ، و بشكل مباشر أو غير مباشر ، و بذلك يكون العالم قد وجه ضربة ساحقة إلى رأس الأفعى الموجود في العراق ، بدلا من ضرب ذيلها في جورجيا حسب تعبير الأستاذ المختار .
و جاء بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي ، في نفس الاتجاه ، حيث دعى روسيا إلى المساهمة في القضاء على المشروع الإمبريالي المريكي من خلال دعم المقاومة العراقية الباسلة ، بل إنه دعى بشكل واضح إلى تزويدها بالأسلحة المضادة للطائرات ، كي يتم تحييد سلاح الجو الأمريكي و إخراجه من المعركة ، في إشارة إلى استعداد المقاومة العراقية الباسلة إلى توجيه ضربة الحسم النهائي في حال تمكنها من سد ثغرة التفوق الجوي المعادي لطائرات الإحتلال الأمريكي العسكرية .
و أشار البيان إلى أن روسيا في أمس الحاجة إلى أن تدعم كل مناهضي المشروع الأمريكي في العالم ، كي تزيد بذلك من قوتها في مواجهة الهيمنة الأمريكية ، و هي مضطرة لدعم المقاومة العراقية في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى ، للقضاء على العدو المشترك للإنسانية جمعاء ، ألا و هي الولايات المتحدة الأمريكية .
لسنا متأكدين من ماهية القرار الروسي ، هل سيدعم الروس المقاومة العراقية و يزودوها بما طلبته من السلاح ؟ أم أنها تجد نفسها غير مضطرة لذلك في هذه الأيام ؟ لكن ما نحن متأكدون منه هو أن الأيام القادمة تخبئ لنا الكثير من المفاجئات و التطورات و الأحداث المتسارعة ، و ما نحن متأكدون منه هو أن المقاومة العراقية الباسلة ستنتصر حتماً ، و انها لن تغير خارطة المنطقة فحسب ، بل و العالم بأسره بكل تأكيد .
نبيل العربي 5/ 9 / 2008