لماذا العروبة أولا ؟؟؟ بقلم العلامة السيد محمد علي الحسيني *الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان. المكتب الصحفي الفلسطيني لبنان
يثير طرح موضوع العروبة إشکاليات وحساسيات متعددة الابعاد والجوانب وباتت في نظر العديد من الشرائح الفکرية والاجتماعية العربية موضوعا قد أکل عليه الدهر وشرب وانه ليس لا يخدم الواقع العربي بشئ وإنما يساهم أيضا في تخلفه وإدخاله في معمعات ومتاهاة هو في غنى عنها. ولئن کنا في المجلس الاسلامي العربي في لبنان قد أکدنا مرارا وتکرارا على هذا الموضوع وأعتبرناه بمثابة الجوهر والعمود الفقري الذي يستند عليه المجلس والسبب الاساسي والاهم لإنبثاقه، لکننا في نفس الوقت لسنا نبغي من وراء مفهوم العروبة الدعوة الى عرقية بغيضة تقوم على اساس من إقصاء الآخر أو رفضه وتهميشه لإعتبارات غيرشرعية وانسانية وقانونية. العروبة التي دعونا وندعو إليها ليست دثارا نتلحف به طمعا في إکتساب عطف ورضا وتإييد الجماهير العربية مثلما إنها لن تکون مجرد شعار حماسي القصد الاساسي من طرحه إشغال الجماهير به من أجل تمرير أجندة حزبية أو سياسية ضيقة الافق لاتخدم واقع وطموحات وأماني الغالبية الساحقة من الجماهير العربية، کما انها ليست بضاعة معروضة في دکاکين النخاسة السياسية تکون من نصيب الذي يدفع أکثر، بل أن العروبة التي ندعو إليها هي ذات العروبة التي أحبها النبي العربي الهاشمي وتفاخر بها وهي ذات العروبة التي تنبض في أعماق کل عربي أصيل يؤمن بمبادئ النخوة والشهامة والمروءة والشجاعة والانسانية، عروبتنا هي بناء معروف بأساسه ومشهور بأعمدته التي ترتکز عليها وإنها تعتمد على مبدأ الجمع والتوحيد ونبذ التفرقة والتشتت والتهميش والإنغلاق. ان ترکيزنا على العروبة والدعوة الملحة لها ومنحنا إياها أولوية قصوى وتفضيلها على خيارات قطرية ضيقة، يعود اساسا لإيماننا العميق بأنها المخرج الوحيد الذي لابد للعرب المرور من خلاله للتغلب على المصاعب والتحديات التي تواجه حاضرهم وتهدد مستقبلهم،وان الخطر عندما يداهم العرب فإنه ليس بالامکان حصره بقطر عربي محدد وإنما يهدد الاقطار العربية الاخرى ويجعلها ضمن الهدف، وقطعا فإن العروبة التي ندعو إليها ليست بتلك القياسات والابعاد الحزبية الضيقة وليست أيضا بتلك الصيغ المشوهة والناقصة والعرجاء التي تدفع المواطن العربي لسياقات ضالة ومضللة وإنما هي بنفس القياسات والابعاد التي إبتدعتها العقلية العربية منذ غابر الازمان وجاء الاسلام ليمنحه عزا وشرفا ومجدا ورفعة لتکون نموذجا ومثلا أعلى لکافة الامم والشعوب في کل أرجاء المعمورة. وعندما نقول ان العروبة التي ندعو إليها هي بنفس قياسات وأبعاد العقلية العربية السحيقة فإننا نرکز هنا على البعد الاخلاقي المميز للشخصية العربية ومحتواها الانساني المشرئب بروح النخوة والشهامة ونصرة الظلوم ومساعدة الضعيف ورفض الظلم والطغيان وما إليها من خصال حميدة يجدها المرء مجسدا في التراث العربي عبر مختلف العصور والازمنة وهنا تتجسد مسألة الاصالة بعمقها التأريخي الحضاري لتنير لنا قوة الاساس الاجتماعي للعروبة ولکون العروبة (حالها حال أي من السنن التأريخية) کانت معرضة لمراحل سلبية تفتقد خلالها بعضا من جوانبها الاساسية، فقد شرف الله سبحانه وتعالى امة العرب بدين الاسلام الذي صار ظهيرا وسندا قويا للعروبة بعد أن هذب ونقح الاصول الاخلاقية لها وجعلها أکثر شمولية وتسامحا، فإن العروبة قد خرجت من القوقعة التأريخية المحددة بزمن أو فترة أو مرحلة معينة وإکتسبت عمقا معاصرا جعلها تتمکن من مواکبة کل العصور والمراحل التأريخية المختلفة، ومن هنا فإن العروبة التي ندعو إليها (وهي العروبة الحقة والاصيلة لأجدادنا) تتميز بالاصالة والمعاصرة، أصالة قومية ومعاصرة ذات بعد ديني أخلاقي وتعتبر الخيار القومي ـ الاخلاقي ـ الديني الاساس والمعيار الاهم في التفاضل ومن هنا، فإننا نرى أن العروبة بهذا المفهوم، لاتفضل قطرا عربيا على آخرا ولاتمنح الاولوية لأي دولة عربية مشرقية کانت أم غيرها، على دولة عربية أخرى بل لکل منها خصائصها ومميزاتها المحددة لکن کل الاقطار العربية بالاماکن جمعها وصهرها في بوتقة واحدة هي العروبة التي من الممکن إعتبارها صمام أمان لکل الاقطار. ولقد کان الخطأ الاکبر الذي وقعت فيه الاحزاب والتنظيمات والجمعيات العربية ذات الانتماء القومي، إنها أخذت جانبا محددا من العروبة، جانب يخدم أهدافها القصيرة المدى متصورة بأن مربط الفرس يکمن في إزاحة النظم العربية الحاکمة والتشکيك بالقادة والزعماء العرب وهي بذلك أهملت واجبها الاساسي بتربية وصقل الذات العربية التي تعرضت وتتعرض لهجمات عدوانية شرسة من قبل أعدائها المختلفين وبدلا من إعداد الاسس الکفيلة بتوفير الضمانة الاساسية لأمن قومي عربي حديدي من خلال بناء الشخصية العربية وإعادة الاعتبار الذي منحه الله سبحانه وتعالى لها، فإن تلك الاحزاب والمنظمات والجمعيات شغلت الناس عن قصد أو دون قصد بمعارك وهمية وجانبية مع النظم العربية الحاکمة لتساهم بذلك في إضعاف هذه الانظمة بدلا من تقويتها وإسنادها، أما أعداء العروبة والمتربصين شرا بها، فإنهم کانوا لايريدون خيرا لأي من الطرفين، أي انهم کانوا يعادون الانظمة العربية الحاکمة بنفس الدرجة التي کانوا يعادون بها تلك القوى السياسية المعادية لحکامها وهم بذلك حققوا هدفا مهما وحيويا بإختراق الامن القومي العربي ونخر جانبين أساسيين منه يتجليان في العمق الجاهيري والنخبة القيادية، وعليه، فإن العروبة التي دعت إليه تلك الاحزاب لم تفلح في إقناع الشخصية العربية وإن کانت قد ألهبت حماسه وأثارت مکامنه الغرائزية، إذ انها لم تنجح في کسب عقله الباطن ليصل الى درجة الايمان اليقيني بها، رغـم اننا نرفض تلك الدعاوي التي تقول بأن العروبة قد سقطت بسقوط تجارب ومبادئ تلك القوى السياسية العربية لإيماننا الراسخ بأن العروبة کمفهوم متکامل الجوانب من المستحيل سقوطه (حاله حال أية قيم ومبادئ حضارية ذات محتوى إنساني) وان الذي سقط هو مفهوم ورؤية تلك الاحزاب للعروبة. وان تلك الاحزاب والتنظيمات التي کانت ترفع عقيرتها ليل نهار بالدفاع عن الامة العربية نست أو تناست إنها بحملتها الشعواء ضد النظام العربي الرسمي وضد الزعماء والقادة العرب قد ساهمت في تشتيت الشارع العربي وتجزئته بما يخدم مصالح وأهداف وأجندة معادية للعرب وبدلا من أن ينتبهوا لحقيقة مهمة وإستراتيجية تتجلى في أن الامن القومي العربي يجب أن يکون محصورا بيد الزعماء والقادة العرب، فإنهم إستداروا على هذه الحقيقة وشوهوها أيما تشويه وطرحوا بدائل غير منطقية وبعيدة کل البعد عن الواقع بحيث لم يصادف أن تم مثل هکذا طرح في أية بقعة أخرى أخرى من العالم، واننا نرى لو أن تلك الاحزاب عملت من أجل تعبأة الشارع العربي وتوجيهه ضد العدو الحقيقي وليس الانشغال ببعضهم البعض لکان واقع العرب في الوقت الحاضر مختلفا أيما إختلاف عن الذي نعيشه. اننا نعطي الاولوية للعروبة من أجل رص الصفوف العربية وتوحيدها بأساس فکري وأخلاقي جامع ينير دروبها أمام کل المنعطفات والدياجير المظلمة مما يؤهلها للإنتباه لأعدائها الحقيقيين وتوجيه الشارع العربي للإلتفاف حول زعمائهم وقادتهم لإفراغ المؤامرات والدسائس والفتن المختلفة من محتوياتها الخبيثة التي ترکز على تهميش دور الزعامة العربية وجعلها منفصلة عن الامة لکي يتصيدون مايشاؤون في المياه العکرة، واننا في المجلس الاسلامي العربي في لبنان رأينا ونرى أن أهم واجب قومي ينتظر الامة العربية هو أن تقوم بتعبأة نفسها لتصبح ظهيرا وسندا قويا ومتينا للزعامة العربية کي تقوم بإنجاز مهامها وواجباتها التأريخية بخصوص صيانة الامن القومي العربي وحفظه من کل خطر أجنبي داهم مهما کان